طلوع ذلك النور الأعظم لا نهتدي سبيلا ، ولا نعرف من مصالحنا الدنيوية إلا قليلا على غير كمال ، ولا من مصالحنا الأخروية قليلا ولا كثيرا ، بل كان كل أحد يركب هواه وإن كان فيه ما فيه ، ويطرح هوى غيره فلا يلتفت إليه.
فلا يزال الاختلاف بينهم والفساد فيهم يخص ويعم ، حتى بعث الله نبيه صلىاللهعليهوسلم لزوال الريب والالتباس ، وارتفاع الخلاف الواقع بين الناس ، كما قال الله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) إلى قوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) (١) ، وقوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) (٢).
ولم يكن حاكما بينهم فيما اختلفوا فيه إلا وقد جاءهم بما ينتظم به شملهم ، وتجتمع به كلمتهم.
وذلك راجع إلى الجهة التي من أجلها اختلفوا ، وهو ما يعود عليهم بالصلاح في العاجل والآجل ، ويدرأ عنهم الفساد على الإطلاق ، فانحفظت الأديان والدماء والعقل والأنساب والأموال ، من طرق يعرف مآخذها العلماء ، وذلك ، القرآن المنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم قولا وعملا وإقرارا.
ولم يردّوا إلى تدبير أنفسهم للعلم بأنهم لا يستطيعون ذلك ولا يستقلون بدرك مصالحهم ولا تدبير أنفسهم ، فإذا ترك المبتدع هذه الهبات العظيمة ، والعطايا الجزيلة ، وأخذ في استصلاح نفسه أو دنياه بنفسه بما لم يجعل الشرع عليه دليلا ، فكيف له بالعصمة والدخول تحت هذه الرحمة؟
وقد حل يده من حبل العصمة إلى تدبير نفسه. فهو حقيق بالبعد عن الرحمة ، قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٣) ، بعد قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (٤) ، فأشعر أن الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢١٣.
(٢) سورة : يونس ، الآية : ١٩.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٣.
(٤) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٢.