ومجالستهم حسبما تقدم ، وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء. لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة بما أحدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين لا على التعادي مطلقا.
كيف ونحن مأمورون بمعاداتهم وهم مأمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة؟
وأما أنها مانعة من شفاعة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فلما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «حلت شفاعتي لأمتي إلا صاحب بدعة» ويشير إلى صحة المعنى فيه ما في الصحيح قال : «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإنه سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ـ إلى قوله ـ فيقال لم يزالوا مرتدين على أعقابهم» الحديث ، وقد تقدم. ففيه أنه لم يذكر لهم شفاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإنما قال : «فأقول لهم سحقا كما قال العبد الصالح» (١).
ويظهر من أول الحديث أن ذلك الارتداد لم يكن ارتداد كفر لقوله : «وإنه سيؤتي برجال من أمتي» ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لما نسبوا إلى أمته ، ولأنه عليه الصلاة والسلام أتى بالآية وفيها : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢) ، ولو علم النبي صلىاللهعليهوسلم أنهم خارجون عن الإسلام جملة لما ذكرها ، لأن من مات على الكفر لا غفران له البتة ، وإنما يرجى الغفران لمن لم يخرجه عمله عن الإسلام لقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٣).
ومثل هذا الحديث حديث الموطأ لقوله فيه : «فأقول فسحقا فسحقا» (٤).
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥٤ ، الحاشية : ٤.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ١١٨.
(٣) سورة : النساء ، الآية : ٤٨.
(٤) تقدم تخريجه ص : ٥٤ ، الحاشية : ٤.