بعقله في التشريع ويتهم ربه فيما شرع ، ولا يدري المسكين ما الذي يوضع له في ميزان سيئاته مما ليس في حسابه ، ولا شعر أنه من عمله ، فما من بدعة يبتدعها أحد فيعمل بها من بعده ، إلا كتب عليه إثم ذلك العامل ، زيادة إلى إثم ابتداعه أولا ، ثم عمله ثانيا.
وإذا ثبت أن كل بدعة تبتدع فلا تزداد على طول الزمان إلا مضيّا ـ حسبما تقدم ـ واشتهارا وانتشارا ، فعلى وزان ذلك يكون إثم المبتدع لها ، كما أن من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وأيضا ، فإذا كانت كل بدعة يلزمها إماتة سنة تقابلها ، كان على المبتدع إثم ذلك أيضا ، فهو إثم زائد على إثم الابتداع ، وذلك الإثم يتضاعف تضاعف إثم البدعة بالعمل بها ، لأنها كلما تجددت في قول أو عمل تجددت إماتة السنّة كذلك.
واعتبروا ذلك ببدعة الخوارج فإن النبي صلىاللهعليهوسلم عرفنا بأنهم : «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (١) الحديث إلى آخره ، ففيه بيان أنهم لم يبق لهم من الدين إلا ما إذا نظر فيه الناظر شك فيه وتمارى ، هل هو موجود فيهم أم لا؟ وإنما سببه الابتداع في دين الله ، وهو الذي دل عليه قوله : «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» ، وقوله : «يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم» (٢) فهذه بدع ثلاث ، إعاذة بالله من ذلك بفضله.
وأما أن صاحبها ليس له من توبة فلما جاء من قوله عليه الصلاة والسلام : «إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة» (٣).
وعن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : كان يقال يأبى الله لصاحب بدعة توبة ، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى أشر منها.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ١٢ ، الحاشية : ١.
(٢) تقدم تخريجه ص : ١٢ ، الحاشية ١.
(٣) روى ابن ماجه : «أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة» في المقدمة (الحديث : ٧).