أجل إنّهم كانوا يعتقدون بأنّهم أرقى الأمم وأنّ الجنّة خصصت لهم ولم يعبهوا بغيرهم حتى لوكانوا مؤمنين.
فأجابهم القرآن اولاً فقال : (تِلكَ أَمَانِيُّهُمْ) أي آمال بعيدة عن الواقع ولن تتحقق أبداً.
ثم وجّه الخطاب إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله فقال : (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ انْ كُنْتُمْ صَادِقينَ). (البقرة / ١١١)
أي أعطونى دليلاً عقلياً يدعم هذا التخصيص وبأي دليل خصص اللطف الإلهي بكم وحرم الآخرين منه؟ فهل من الممكن أساساً أن يتسق هذا التمييز مع العدالة الإلهيّة وأن يحرم المؤمنون المحسنون كما تزعمون؟
إن كانوا يدّعون بأنّ دينهم لن يمسخ إلى الأبد فلماذا حكموا على الامم السابقة التي كانت تتبع أنبياء السلف ويعملون بتكاليفهم بهذا الحكم؟ إنّ كل هذا يدل على أنّ هؤلاء في تخصيصهم الجنّة بهم لم يتبعوا إلّاأوهامهم النابعة من أنانيتهم.
والجدير بالذكر إنّ «أماني» جمع «امنية» وهي بمعنى الأمل (وقد صرح عدد من المفسرين بأنّ الأماني بمعنى الآمال التي يستحيل تحققها).
بناءً على هذا فـ «أماني» بمعنى الآمال وتحمل معنى الجمع ، بينما لا يشكل تخصص الجنّة إلّا «أمل واحد». وللاجابة على ذلك قال بعض المفسرين : إنّ الأمل الواحد هذا تتبعه آمال اخرى أيضاً وهي الخلاص من العذاب الإلهي وخوف المحشر وعُسر الحساب ومسائل اخرى من هذا القبيل.
وقال آخرون : إنّ الأمل كلما كبُر يصبح بحكم «الآمال» ، وهذا تعبير لطيف يشير إلى مدى بعد هؤلاء عن الواقع!.
وهناك احتمال آخر أيضاً وهو إنّ السبب في عدّها آمالاً هو وجود هذا الأمل في قلب كل واحد منهم ، أو أن يكون الواحد منهم تمنى ذلك كثيراً ، لذا جيء بصيغة الجمع للدلالة على أنّ هذا التوهم لا ينحصر بفرد معيّن منهم أو بمرحلة معينة ، بل هو أمرٌ له طابع العموم والدوام.