إنكار يوم الجزاء هو المنبع الرئيسي لهذه الأعمال السيئة والمشؤومة ، فهو لا يحرم الأيتام فحسب ، بل يمنعهم بغلظة وشدّة ، ولا يكف نفسه عن اطعام المساكين فحسب ، بل يدفع الآخرين أيضاً على الكف عن اطعامهم ، ويقف حائلاً دون تصدّق الآخرين عَليهم ، وذلك لأنّه لا يخاف عاقبة سوء أعماله.
إنّه لا يؤمن بمحكمة العدل الإلهيّة ولا يؤمن بالحساب والثواب والعقاب ، فهو لا يعتقد إلّا بالحياة الدنيوية المحدودة والامور المادية فقط ، لذا فهو مشغوف بحبها ولا يفكّر بسواها.
وجملة «أَرأَيتَ» مأخوذة من مادة «الرؤية» ، ويحتمل دلالتها على الشهود العيني أو على الشهود اللّبي ، وهي بمعنى العلم والمعرفة ، وعلى أيّة حال فالآية تفيد هذا المعنى وهو : إنّك إنْ لم تعرف من ينكر يوم الجزاء فهم يحملون علائم واضحة ، إحداها أنّهم قساة القلوب ولا يرحمون اليتيم ، والاخرى أنّهم لا يَعبأون بحال المعدمين ، فبهذه الصفات السيّئة يمكنك تمييزهم بوضوح ، وتلمسُ حقيقة غيابِ الإيمان بالمعاد في وجودهم.
وقد ذكر المفسرون أسباباً عديدة في نزول هذه الآيات ، منها : إنّ هذه الآيات نزلت في شأن (أبو سفيان) ، فإنّه كان يذبح في كل اسبوع إثنين من الابل (لكنّه كان يحتفظ بها لنفسه وذويه) ، فجاءه في أحد الأيّام فقير يطلب منه شيئاً ، فدفعه أبوسفيان بعصاه إلى الخلف (فنزلت هذه الآية إِثر تلك الحادثة).
ونقل الفخر الرازي عن «الماوردي» أَنّ هذه الآية نزلت في شأن (أبوجهل) ، فأبو جهل كانت له وصاية على أحد الأيتام ، فجاءه اليتيم وهو عريان ، وطلب من أبي جهل أن يمدّه بشي من أمواله ، لكن أبا جهل طرد اليتيم بعنف ، فقال وجهاء قريش لليتيم اليائس : اطلب من محمد أن يذهبَ إلى أبي جهل فيشفع لك عنده ، وكانوا يريدون بذلك الاستهزاء والسخرية ، فتوجَّهَ الطفل إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وهو لا يعلم الهدف من كلام وجهاء قريش ، وطلب من النبي صلىاللهعليهوآله أن يشفع له عند أبي جهل ، وكان من عادة النبي صلىاللهعليهوآله أن لا يردّ طلب محتاج أَبداً ، فقام صلىاللهعليهوآله فاصطحب الطفل وذهب إلى أبي جهل ، وعندما وقع نظر أبي جهل على النبي صلىاللهعليهوآله رحّب به (وقد ملأ وجوده العجب) ، ثم أعطى اليتيم مالاً كثيراً ، بعد ذلك وجَّهَ