وفي الآية الثالثة توجّه تعالى بالخطاب إلى جميع المؤمنين وقال بوضوح : (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللهِ امْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلكِنْ لَاتَشْعُرُونَ).
فكلا هاتين الآيتين هما من الأدلة الواضحة على وجود عالم البرزخ (وإن كان الحديث يقتصر على ذكر الشهداء) ، وذلك لأنّهما تحدثتا عن حياة الشهداء بل حتى عن رزقهم واستقرارهم عند ربّهم.
والعجيب هو أنّ بعض المفسرين ومن دون أن يلتفتوا إلى العبارات الواردة في الآيات اللاحقة لها والتي تتحدّث جميعها عن حياة الشهداء (الحياة بالمعنى الواقعي لهذه الكلمة) حملوا الحياة هنا على معناها المجازي ، مثل بقاء أسمائهم وآثارهم ، أو بقاء هدايتهم وطاعتهم ومذهبهم ، أو بعثهم من القبور واحيائهم يوم القيامة!
فهل غفلوا عن وصف القرآن لهم بأنّهم عند ربّهم؟
أم غفلوا عن إرزاقهم؟
أم غفلوا عن وصفهم فرحين بما آتاهم الله من فضله ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟
فكيف تتلائم جميع هذه التعابير مع المعنى المجازي؟
هذا بالإضافة إلى قوله تعالى : بل احياءٌ ولكن لا تشعرون ، فإنْ كان معنى الحياة هو بقاء الاسم والمنصب والهداية والمذهب فإنّ هذه الامور قابلة للإدراك.
والظاهر هو أنّ هؤلاء المفسرين لم يتمكّنوا من إدراك حياة البرزخ بدقّة ، فتوسّلوا بالخرافات بعد ما غابت عنهم الحقيقة ، لكنّ الرازي صرّح في تفسيره بالقول : إنّ أكثر المفسرين على أنّ الحياة هنا هي الحياة الواقعية (١).
وعلى الرغم من ذكر المرحوم الطبرسي في مجمع البيان لاربعة تفاسير للآية ، إلّاأنّه رجّح التفسير الأول الذّي فسّر الحياة في هذه الآية بالحياة الحقيقية ، واعتبره هو الصحيح من بينها (٢).
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ١٣٥.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ١ و ٢ ، ص ٢٣٦.