ومنه حبّ (١) الماء للوعاء الّذى يحفظ فيه ويمسكه. وفيه معنى الثّبوت أيضا.
ولا ريب أنّ هذه الخمسة من لوازم المحبّة ، فإنّها صفاء المودّة وهيجان إرادة القلب وعلوّها وظهورها منه لتعلّقها بالمحبوب المراد وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوما لا تفارق ، ولإعطاء المحبّ محبوبه لبّه وأشرف ما عنده وهو قلبه ، ولاجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه. فاجتمعت فيها المعانى الخمسة. ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للشّيء غاية المناسبة : الحاء الّتى من أقصى الحلق والباء للشفة الّتى هى نهايته ، فللحاء الابتداء وللباء الانتهاء ، وهذا شأن المحبّة وتعلّقها بالمحبوب ، فإنّ ابتداءها منه وانتهاءها إليه.
ويقال فى فعله : حببت فلانا بمعنى أصبت حبّة قلبه ، نحو شغفته وكبدته وفأدته ، وأحببت فلانا جعلت قلبى معرّضا لأن (٢) يحبّه. لكن وضع فى التعارف محبوب موضع محبّ واستعمل حببت أيضا فى معنى أحببت ، ولم يقولوا محبّ إلّا قليلا قال (٣) :
ولقد نزلت فلا تظنى غيره |
|
منى بمنزلة المحبّ المكرم |
وأعطوا الحبّ حركة الضمّ الّتى هى أشدّ الحركات وأقواها ، مطابقة لشدّة حركة مسمّاه وقوّتها ، وأعطوا الحبّ وهو المحبوب حركة الكسر لخفّتها عن الضمّة ، وذلك لخفّة ذكر المحبوب على قلوبهم وألسنتهم مع إعطائه
__________________
(١) فى شفاء الغليل أن حب الماء معرب.
(٢) فى الأصلين : «بأن» وما أثبت عن الراغب.
(٣) أى عنترة فى معلقته.