التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة ، قال تعالى : (فَاخْتَلَفَ (١) الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) وقوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ)(٢) قيل : معناه (٣) خلفوا نحو كسب واكتسب. وقيل : أتوا فيه بشيء خلاف ما أنزل الله. وقوله : (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ)(٤) من الخلاف أو من الخلف (٥). وقوله تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٦) أى فى مجىء كلّ واحد منهما خلف الآخر وتعاقبهما.
والخلف : الاسم من الإخلاف. يقال : وعدنى فأخلفنى أى خالف الميعاد ، قال تعالى : (ما أَخْلَفْنا (٧) مَوْعِدَكَ). وأخلفه : ردّه إلى خلفه. وأخلف النبت : أخرج الخلفة ، وهى ورق يخرج بعد الورق الأوّل فى الصّيف. وأخلف الثوب : أصلحه. ويقال لمن ذهب له ولد أو مال أو شىء يستعاض : أخلف الله
__________________
(١) الآية ٣٧ سورة مريم ، والآية ٦٥ سورة الزخرف.
(٢) الآية ١٧٦ سورة البقرة.
(٣) يذكر المفسرون أن (الْكِتابَ) أن أريد به الجنس أى الكتب فالاختلاف فيها أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض ، كاليهود يؤمنون بالتوراة ويكفرون بالقرآن ، وكذا النصارى. وأن أريد القرآن فاختلاف الكفار فيه أن يقول بعضهم : انه شعر ، وبعضهم : انه سحر ، وهكذا. وأن أريد التوراة فالحديث عن اليهود ، وهم لم يتنازعوا فيها ، ففسر (اخْتَلَفُوا) بخلفوا أى جاءوا متأخرين أو كانوا ذوى رداءة وشر ، وهذا الرأى الاول هنا ، ويظهر انه على هذا يكون (فِي الْكِتابِ) متعلقا بقوله (لَفِي شِقاقٍ) أو المراد : اختلفوا أى أتوا بالخلاف لما جاء فى الكتاب. وهذان التفسيران لا تساعد عليهما اللغة ، وتبع المصنف الراغب فى ذلك. وانظر البيضاوى وحاشية الشهاب عليه.
(٤) الآية ٤٢ سورة الانفال.
(٥) يريد أن الاختلاف فى الميعاد يجوز أن يكون من الفريقين فالمؤمنون يتقاعسون عن الميعاد تهيبا للمشركين لكثرتهم ، والمشركون كذلك لما وقر فى قلوبهم من قوة المؤمنين ، فالاختلاف على هذا بمعنى الخلاف ، وقوله : «اختلفتم» يكون للفريقين. ويجوز أن يكون الاختلاف من المؤمنين وحدهم والمراد به اخلاف الموعد من جانب واحد ، وهذا ما أراده بقوله : «أو من الخلف».
(٦) الآية ٦ سورة يونس.
(٧) الآية ٨٧ سورة طه.