المستقبل يفيد بذاته التجدّد ، ويفيد في المقام الاستمرار ؛ لأنّه لم يقيد بوقت خاص ، فيكون كناية عن كون الانفضاض للهو والتجارة سجيّة لهم وشأناً ، كقوله تعالى : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) (١) .
وقوله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) (٢) .
أي أنّ ذلك مع وقوعه منهم هو من شأنهم وسجيتهم ، ولا يصح أن يراد مجرّد الحكاية عن انفضاض سابق ، فإنّه لا يناسب التعبير ب ــ «إذا»الشرطية ، بل يتعين التعبير ب ــ «إذ الظرفية ، فالعدول عن «إذ» إلى «إذا» التي هي للاستقبال لا بد أن يكون لنكتة ؛ وهي بيان سجيتهم
الثالث : لا ريب بانفضاض الصحابة عامة إلا النادر الذي يصح إلحاقه بالعدم من حيث العدد لقلته ، ولذا تركت الآية ذكر من بقي مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونسبت الانفضاض إلى عموم المؤمنين ، وقد عرفت أن صحاح أخبارهم المذكورة إنّما استثنت اثني عشر رجلاً .
وحكى في الكشاف وغيره قولاً بأنّهم ثمانية (٣) ، فلا يتجه قول الفضل : « وقام معه أكابر الصحابة ، فإنّ أكابرهم أضعاف العدد المذكور .
والحامل له على هذا دفع الطعن عن مشايخهم ووجوههم ، وقد كفاه بعضهم هذه الكلفة بالنسبة إلى الشيخين فروى لهم أن من جملة الاثني عشر
__________________
(١) سورة البقرة ٢ : ١٤.
(٢) سورة البقرة ٢ : ١١ .
(٣) الكشاف ٤ / ١٠٦ ، تفسير القرطبي ١٨ / ٧٢ ، الدر المنثور ٨ / ١٦٥ عن عبد بن حميد وفيه ( سبعة نفر) .