وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربِّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى إذا مضى الأوّل لسبيله أدلى بها إلى فلان بعده ، ثمّ تمثل بقول الأعشى :
شتان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيان أخي جابر |
عقدها لأخي عدي بعده ، فيا عجباً بين ما هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ماتشطرا ، ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء يخشن مسُّها ، ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فَمُني الناس ــ لعمر الله ــ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، مع هن وهن ، فصبرت على طول المدة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي منهم .
فيا الله وللشورى ، متى اعترض الرَّيبُ في مع الأوّل منهم ، حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ، فما راعني إلا والناس يهرعون إليَّ كعرف الضبع ، قد انثالوا علي من كل جانب ، حتّى لقد وطىء الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، وفسقت أُخرى ، ومرق آخرون ، كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا