نعم ، بعد رضاه يتوب الله عليهم ، ولكنّ فاطمة ماتت وهي غضبى عليهما ، فلا رافع لغضب الله ورسوله وأذيّتهما عن الشيخين وأعوانهما .
وأما قوله : «حاشاها أن تغضب على وزير أبيها ...» .
ففيه : إن أبا بكر إن خالف حكم الله فلا معنى لمحاشاتها عن الغضب عليه ، وإن لم يخالف حكم الله تعالى بل جرى على حكمه ، فما معنى تألمها منه وهجرانها له إلى الموت ، ولقاء الله سبحانه ، وهي الطاهرة المطهرة من الرجس ؟
وقد روى مسلم في كتاب البر والصلة (١) عن أبي أيوب أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال » (٢) .
وروى نحوه ــ أيضاً ــ عن ابن عمر وأبي هريرة (٣) .
فهل يجوز أن تفعل سيدة النساء التي شهد الله سبحانه بطهارتها من الرجس ما لا يحل لها وتهجر أبا بكر إلى الموت ، وهي ترى أن أبا بكر لم يفعل إلا ما كلّفه الله به وأمره به رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟!
وأما قوله : الأولى الإعراض عن هذه الحكايات ، فخطأ ، إذ بها يعرف الحقِّ من الباطل ويفرح بها المؤمن ، لأنّها تكون حجة لدينه الذي يلقى به ربه يوم العرض عليه ، ويتألم بها المنافق ؛ لأنّها تكشف عن نفاقه حيث إنّ الحجّة لزمته وخالفها.
ثمّ إنّ المصنف رحمهالله قال : وأوصت أن لا يصلّيا عليها ، وهذا ليس لفظ الحديث الذي ذكره ، لكنّه اشتمل عليه معنى بلحاظ القرائن الدالة عليه ، فإنّ
__________________
(١) في باب تحريم الهجر فوق ثلاثة أيام بلا عذر شرعي . منه قدسسره .
(٢) صحیح مسلم ٨ / ٩.
(٣) صحیح مسلم ٨ / ١٠.