الحديث صرّح بأنها وجدت على أبي بكر فهجرته حتى توفيت ، وأن علياً دفنها ليلاً وصلى عليها ، ولم يؤذن بها أبا بكر .
فإنّ المفهوم عرفاً من ذلك أن عدم إيذانه له بالصلاة والدفن وإيقاعه لهما ليلاً ، إنّما هو لهجرانها له حتّى توفّيت .
وهذا الهجران له يستدعي كراهتها لحضوره ووصيّتها عليهاالسلام بعدم إيذانه ، مع يمتنع بدون وصيتها عليه أن يخالف أمير المؤمنين عليهالسلام السنة النبوية بإعلام المؤمنين بموت المؤمن لتشييعه والصلاة عليه ، ويخالف العادة العرفية القاضية بإجلال سيّدة النساء بإحضار أصحاب أبيها وولاة الأمر بعده ووزرائه في حياته كما زعموا ــ فلا يمكن أن يدفنها ليلاً مخفياً أمرها عنهم بدون وصيّة منها .
فيا بأبي وأمي ! الناصرة للحقِّ الحكيمة المقيمة للحجة في حياتها وبعد وفاتها ، على ما يعرّف الناس ضلال من ضل ، ويرشدهم إلى الطريق المستقيم ، فهي لم تنازع القوم طلباً للدنيا بل لإحياء شريعة أبيها ، وإظهار دين الله سبحانه.
وما صارت سيدة النساء إلا بالزهد بالدنيا وحطامها ، والرغبة بما عند الله تعالى وعبادته ، لا بالنظر إلى النخيلات ومهاجرة المسلمين عليها حتّى الوفاة ، فالركن الأقوم للحق وإظهاره إنّما قام بها صلوات الله وسلامه عليها .
***