والمعنى ؛ ــ والله أعلم ــ : لا يخاف لديّ المرسلون لعدم الظلم منهم ، لكن من ظلم من غيرهم ثمّ بدّل حُسناً بعد سوء يكون محل الخوف ورجاء المغفرة .
واعلم أن الآية من سورة النمل ، وهي هكذا : ( ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ).
وقد أخطأ الفضل فيها فذكرها هكذا ( ثم بدل من بعد سوء حسناً ).
فإن قلت : على ما ذكرته يكون الصدق والكذب عبارة عن موافقة المراد للواقع ومخالفته له ، لا عن موافقة الظاهر للواقع ومخالفته.
وحينئذ فلا يصح من المصنف رحمهالله نسبة القوم إلى تكذيب الله سبحانه في قوله : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (١) .
قلت : إنّما صحت النسبة من المصنف رحمهالله ؛ لأنه لم يدع أحد أن المراد بالآية غير ظاهرها ، فهما واحد ، ولا شك أنّ ظاهرها كذب بمقتضى مذهب الأشاعرة ؛ لأنّ كلّ ما كلّف الله تعالى به عباده إنما هو من فعله عندهم (٢) ولا وسع للعبد فيه فعلاً وتركاً ، فيلزم تكذيبهم لهذه الآية ونحوها .
وأما قوله : إن محمداً جاء للهداية ، فمسلّم ، لكن لا يستلزم هداية الكل أو الأكثر ، كما هو كذلك في الأنبياء السابقين ، ولذا قال تعالى : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٣) .
__________________
(١) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦
(٢) راجع : ٣ / ١١٧ وما بعدها من هذا الكتاب
(٣) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣ .