ذلك ، لأنّ الواجب يكون على تركه العقاب البتّة ، سيّما مثل هذه الفريضة التي هي من أوجب الفرائض ، وكان عليهالسلام من غاية الاهتمام في هداية الأمّة وإتمام الحجّة عليهم ، فكيف يجعل ما لا يتوقّف على النصب موقوفا عليه؟ بل لو كانت الجمعة مستحبة ما كان يفعل كذلك قطعا ، فكيف إذا كانت من أوجب الفرائض؟ ألا ترى أنّ الجماعة والأذان ما جعلهما مقصورين على المنصوب وبالغ في ذلك حتى صار من ضروريات الدين وأمر بفعلهما من دون توقّف على المنصوب بحيث يظهر على الأطفال والنساء والجواري في البيوت؟ لاقتضاء العادة في مثله ، وكان يصل إلى من بعده بعنوان التواتر ، وفوق التواتر ، وكذا الحال والكلام في علي عليهالسلام في أيّام خلافته.
وإن كان مراده منع الحصر والقصر في المنصوب ، فمع أنّه خلاف مدلول كلامه غير خفيّ فساده ، لأنّ النبي وعليّا عليهماالسلام لو كانا يبالغان في عدم القصر والحصر ويأمران بفعل الجمعة في كلّ فرسخ فرسخ من مملكتهم الوسيعة ـ وسيّما مملكة علي عليهالسلام ـ لكان يشيع ويذيع أزيد من الشيوع والذيوع الواقع في الجماعة والأذان ، ويظهر على العواتق في البيوت ، لما عرفت من نهاية شدّة الداعي إلى فعل أشدّ الفرائض ، بخلاف المستحب.
مع اجتماع أمور كثيرة كلّ واحد منها يقتضي الاشتهار والانتشار والشيوع ، مثل فعلها جهارا في مجمع جماعة يكون أقلّهم سبعة وأكثرهم لا حدّ له ، وفي الغالب يجتمع الأكثر بل يجب اجتماع الجميع ولا يعذر إلاّ نادر ، ويجب الحضور على من كان على رأس فرسخين من موضع إقامة الصلاة ، ومنع المكلّفين عن البيع والشراء والسفر وغير ذلك من الأشغال المانعة عنها ، وقراءة الخطبة المتضمّنة للتهديد والوعد والوعيد على أفعال كثيرة ، ووجود إمام يتصف بأمور كثيرة ، وأنّه ربما يمنعه بحسب العادة