قوله : لأنّ الاستيطان على هذا الوجه. ( ٤ : ٤٤٥ ).
فيه نظر ، لأنّ المعتبر في الوطن العرفي هو فعلية الاستيطان بحيث يصدق عرفا أنّه حاضر في وطنه وفي بيته وفي أهله وأمثال ذلك ، فإذا أعرض عن هذا الوطن وهجره وجعل بلدا آخر وطنه وبيته وفيه أهله ثمّ سافر منه وصل إلى الوطن السابق فلا شكّ في أنّه الآن مسافر وغير حاضر وليس في بيته وعند أهله ، فيجب عليه القصر بلا شكّ ولا شبهة.
بخلاف الوطن الشرعي على فرض أن يكون حقا ، فإنّه لا يعتبر فيه الاستيطان بالفعل جزما ، إذا لو كان المعتبر هو فعلية الاستيطان على حسب ما ذكرنا فلا شكّ في أنّه على هذا يصير اعتبار الملكية غلطا جزما ، والملكية لغوا محضا ، إذ غير المسافر صلاته تامّة ، وصومه واجب أداء ، إلى غير ذلك من أحكام الحاضرين ، فأيّ فائدة في الملكية؟.
فلا بدّ من أن تكون الفائدة منحصرة في صورة الإعراض عن استيطانه وعدم كونه وطنا بالفعل ، وحيث عرفت عدم اشتراط الملك وأنّ المعتبر هو الوطن عرفت أنّ الاستيطان الشرعي والعرفي يكونان واحدا ، وإذا اعتبر استيطان ستّة أشهر سنة واحدة كما هو المشهور وإن كان بعدها معرضا فلاعتبار الملكية وجه حتى يتحقّق الشرعي الذي يكون مغايرا.
وأمّا إذا اعتبر استيطان ستّة أشهر في كلّ سنة كما اختاره الشارح رحمهالله وهو المستفاد من الدليل كما عرفت ، فلعله لم يبق حاجة إلى اشتراط الملك حينئذ ، لأنّ الإنسان كما يكون بعضهم متوطّنا في بلد واحد يكون بعضهم متوطّنا في بلدين عرفا بأن يكون له أهل وزوجة في بلدة وأهل وزوجة في بلدة أخرى ، يتوطّن ويسكن في عرض السنة تارة مع إحداهما وتارة مع الأخرى ، فالوطنان معا وطنه عرفا ، والبيتان معا بيته ، والأهلان معا أهله ،