فإنّهم عليهالسلام جعلوا كلّ واحد منها حجّة مستقلّة برأسها وأمرونا باتباعه واعتباره ، وما جوّزوا لنا رفع اليد عنه ، وكلّها مجتمعة في ما ذكر من الحديث أيضا ، وواحد منها يكفي ، والمدار في الفقه على ذلك.
مع أنّ وجوب القصر مخالف لرأي العامة جزما ، والرشد في خلافهم على ما صرّحوا به وأمرونا باتباعه والأخذ به.
على أنّا نقول : مرادنا من التقيّة هي الاتّقاء ، قالوا كذلك لأجل أنّ الشيعة إذا كانوا في تلك الأربعة أتمّوا الصلاة ، ولذا ذكروا ذلك في إتمام الصلاة خاصّة ، والعامّة إذا رأوا أنّهم أتمّوا لا يؤذونهم ، بخلاف ما إذا رأوهم يقصّرون ، وما كانوا يدورون مع الشيعة حتى يرونهم يقصّرون ، مع أنّهم لو وجدوهم يقصّرون لكانوا يؤذونهم البتة.
ووجه تخصيص هذه الأربعة بالاتقاء لكونها مشهد مجمع أهل السنّة مع الشيعة بعنوان الكثرة والازدحام سيّما الحرمين ، ولذا أكثر الأخبار ورد في الحرمين ، بل بعضها ظاهر في اختصاصهما به ، مثل ما ورد في بعضها : أنّ أبي كان يرى للحرمين ما لا يراه لغيرهما (١) ، وزيارة الحسين عليهالسلام لم يكن من خصائص الشيعة ، إذ لو كان كذلك لعرفوا وقتلوا ، لأنّ السلاطين في غاية بذل جهدهم في تحصيل معرفة الشيعة ، وهم في غاية بذل الجهد في إخفاء أنفسهم ، فكان يؤدّي ذلك إلى ترك زيارة الحسين عليهالسلام ومنع الأئمّة إيّاهم من الزيارة ، مع أنّ أمرهم بزيارته بلغ حدّ التواتر ، والمتوكّل منع الناس عن زيارته ، فلمّا منعوا وكان يقع الكثرة والازدحام في زيارته وربما صار منعه [ سببا لـ ] (٢) زيادة الازدحام عليها فلذا أمر بمحو آثار
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٢٤ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٢٦ / ١٤٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ / ١١٧٤ ، الوسائل ٨ : ٥٢٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.