الشذوذ علّة لطرح الخبر ، والتقيّة علّة أخرى ، بل الشذوذ موجب لطرح الخبر على أيّ حال بخلاف الموافقة للعامّة ، إذ الموافق لهم ربما يعمل به ويفتي من جهة موافقته للكتاب والسنّة وغيرهما ، إذا كان أقوى من الموافقية لهم ، كما حقّق في محلّه ، وبالجملة : المدار على ما هو أقوى وأحرى ، ومن جهة اجتماع المرجّحات أو القرائن للمرجّح في خصوص المقام.
على أنّه على تقدير أن لا يكون متفقا عليه بل يكون القائل به هو المشهور وجلّ الفقهاء فهو أيضا راجح من جهة الشهرة بين الأصحاب ، لأنّها من المرجّحات المستقلّة من دون حاجة إلى انضمامها إلى المخالفة للعامة ، بل هي علّة للعمل وطرح المعارض ، والمخالفة للعامّة علّة أخرى ، كلّ واحدة منهما علّتان مستقلّتان ، فإذا تحقّق الشهرة فلا حاجة إلى ضمّ المخالفة ، نعم يكون من المقوّمات والمؤيّدات.
مع أنّه لم يظهر في المقام قائل بالاستحباب سوى ابن الجنيد ، وهو رحمهالله في أمثال المقام موافق للعامّة ، وطريقته طريقة العامّة ، مثل قوله بحجيّة القياس ونقض الوضوء ببعض الأشياء التي يقول به العامّة ، وأمثال ذلك ممّا لا يحصى ، ولا يعتني بخلافه أحد ، بل يحكمون بأنّ الأخبار الدالة عليها محمولة على التقيّة بلا شبهة ، بل وإن انضمّ إلى قوله قول بعض آخر ، مثل مسّ باطن الدبر في نقض الوضوء (١) وغير ذلك.
والحاصل : أنّ علّة الحمل على التقيّة في مقام التعارض ليست إلاّ كون العامّة يقولون بمضمونه ، بل لا يجب أن يكون الكلّ قائلين به ، بل
__________________
(١) انظر الفقيه ١ : ٣٩ ، والمعتبر ١ : ١١٣.