وقد شهد بثبوت العدل متواتر الأخبار ، وقامت عليه ضرورة مذهب الصفوة الأبرار.
ثُمّ أوّل درجات اللطف العدل ، وبعدها مراتب الرحمة والفضل ، وعليه يُبنى العفو عن المذنبين ، والتجاوز عن الخاطئين والمقصّرين ، فلا ييأس المذنب من عفوه ؛ طمعاً في فضله ، ولا يقطع على نجاة نفسه ، حذراً من أن يُعامله بعدله.
فقد وصف نفسه بشدّة العقاب ، وفتح للتوبة أوسع باب ، وأَمرَ بكثرة الرجاء عصاة الناس ، ونهاهم عن القنوط من رحمته والإياس ، وحذّرهم من سطواته ، ودلّهم على سبيل طاعاته ، وقوّى أمل المسرفين ، وحقّق رجاء المقترفين ، بقوله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (١). وقال تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢).
وسمّى نفسه : بالتوّاب ، والرؤوف ، والرحمن ، والرحيم ، والعطوف.
ويكفي في معرفة العدل ذلك المقدار ، ولا يجب على الناس إدراك ما يفهمه أهل الأفكار والأنظار ، من معرفة مقادير جزاء الطاعات ، وما يستحقّه العصاة من العقاب على التبعات ، والله وليّ التوفيق.
__________________
(١) الزمر : ٥٣.
(٢) النساء : ١١٦.