فلا بدّ بالنّسبة إلى المصدر الأوّل ـ (العقل) ـ من التّوثّق من مصدريّته للأحكام الشرعيّة وكيفيّة دلالته عليها والشرائط الّتي لا بدّ من توفرها في ذلك ، ولا بدّ بالنّسبة للثاني (الإجماع) من التّوثق من مصدريّته لحكم الشرع ، وكيفيّة ذلك ، والشرائط الّتي لا بدّ من توفرها في ذلك ، بالإضافة إلى الإحاطة بأقوال الفقهاء ، من القدامى والمحدثين.
وقد أشار الشّهيد الثّاني إلى الشرائط المعتبرة في المفتي فقال :
اعلم أنّ شرط المفتي كونه مسلما مكلّفا عدلا فقيها ، وإنّما يحصل له الفقه إذا كان قيّما بمعرفة الأحكام الشرعيّة مستنبطا لها من أدلّتها التّفصيلية ـ من الكتاب والسّنّة والإجماع وأدلّة العقل ـ وغيرها ممّا هو محقّق في محلّه ولا يتم معرفة ذلك إلّا بمعرفة ما يتوقّف عليه إثبات الصّانع وصفاته الّتي يتم بها الأيمان والنبوّة والإمامة والمعاد من علم الكلام.
ومعرفة ما يكتسب بها الأدلّة من النّحو والصرف واللّغة العربيّة وشرائط الحدّ والبرهان من علم المنطق.
ومعرفة أصول الفقه وما يتعلّق بالأحكام الشرعيّة من آيات القرآن.
ومعرفة الحديث المتعلّق بها ، وعلومه متنا وإسنادا ، ولو بوجود أصل صحيح يرجع إليه عند الحاجة إلى شيء منه.
ومعرفة مواضع الخلاف والوفاق بمعنى أن يعرف في المسئلة الّتي يفتي بها أنّ قوله لا يخالف الإجماع ، بل يعلم أنّه وأفق بعض المتقدّمين أو يغلب على ظنّه أنّ المسئلة لم يتكلّم فيها الأوّلون بل تولدت في عصره أو ما قاربه.
وان يكون له ملكة نفسانيّة وقوّة قدسيّة يقتدر بها على اقتناص الفروع من أصولها وردّ كلّ قضيّة إلى ما يناسبها من الأدلّة.
وهذه شرائط المفتي المطلق المستقل أوردناها على طريق الإجمال وتفصيلها موكول إلى أصول الفقه» (١) هذه هي أهمّ الصّعوبات الّتي لا بدّ من تذليلها في معرفة الاحكام الشرعيّة من مصادرها والقدرة على اجتياز هذه الصّعوبات والقيام بعمليّة استنباط الحكم
__________________
(١) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد ص ١٧١.