يحكى عن شريح : أن رجلا أقر عنده بشيء ، ثم رجع ينكر ، فقال له شريح : خ خ شهد عليك ابن أخت خالتك ، آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة إلى المنكر ، لكون الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة ، أو للتهمة.
وكذا ما يحكى عنه : أن عدي بن أرطاة أتاه ومعه امرأة له من أهل الكوفة يخاصمها ، فلما جلس بين يدي شريح قال عدي : أين أنت؟ قال : بينك وبين الحائط. قال : إني امرؤ من أهل الشام. قال : بعيد سحيق. قال : وإني قدمت العراق. قال : خير مقدم. قال : وتزوجت هذه. قال : بالرفاء والبنين. قال : وإنها ولدت غلاما. قال : ليهنك الفارس. قال : وأردت أن أنقلها إلى داري. قال : المرء أحق بأهله. قال : قد كنت شرطت لها وكرها. قال : الشرط أملك. قال : اقض بيننا. قال : فعلت. قال : فعلى من قضيت؟ قال : على ابن أمك.
عدل شريح عن لفظ عليك لئلا يواجهه بالتصريح على ما يشق على المخاصم من القضاء عليه.
أو أن تومىء بذلك إلى وجه بناء الخبر الذي تبنيه عليه ، فتقول : خ خ الذين آمنوا لهم درجات النعيم ، والذين كفروا لهم دركات الجحيم ، ثم يتفرع على هذا اعتبارات لطيفة ربما جعل ذريعة إلى التعريض بالتعظيم ، كقولك : خ خ الذي يرافقك يستحق الإجلال والرفع ، والذي يفارقك يستحق الإذلال والصفع ، ومنه قولهم : خ خ جاء بعد اللتيا والتي (١).
وسيأتيك في فصل الإيجاز معناه ، أو بالإهانة ، كما إذا قلبت الخبر في الصورتين ، وربما جعل ذريعة إلى تعظيم شأن الخبر ، كقوله (٢) :
__________________
(١) اللتيا : تصغير التي ، وهي الداهية الصغيرة والتي الداهية الكبيرة.
(٢) البيت من الكامل. وهو للفرزدق همام بن غالب ، يفتخر ببيته في تميم على جرير ، المعاهد (١ / ١٠٣ ـ ١٠٤) والتبيان (١ / ١٥٦).