النوع الثاني :
وأما الحالة المقتضية للنوع الثاني : أن يكون هناك من اعتقد أنك عرفت إنسانا وأصاب لكن أخطأ ، فاعتقد ذلك الإنسان غير زيد ، وأنت تقصد رده إلى الصواب ، فتقول : زيدا عرفت. وإذا قصدت التأكيد والتقرير ، قلت : زيدا عرفت لا غيره ، ولذلك نهوا أن يقال : ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس نهيهم أن يقال : ما أنا ضربت زيدا ، ولا أحد غيري ، والنهي الواقع مقصور على الحالة المذكورة.
أما إذا ظن بك القائل ظنّا فاسدا أنك تعتقده قد ضرب عمرا ، أو أنك تعتقد كون زيد مضروبا لغيره ، ثم قال لك ، مدعيا في الصورة الأولى : زيدا ضربت ، وفي الثانية : أنا ضربت زيدا ، فيصح منك أن تقول : ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس ، أو ما أنت ضربت زيدا ولا أحد غيرك ؛ فتأمل! فالفرق واضح.
وكذلك امتنعوا أن يقال : ما زيدا ضربت ، ولكن أكرمته ، فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل هو ضده ؛ لأن مبنى الكلام ليس على أن الخطأ وقع في الضرب ، فيرد إلى الصواب في الإكرام ، وإنما مبناه على أن الخطأ وقع في المضروب ، حين اعتقد زيدا ، [فرده](١) إلى الصواب أن تقول : ولكن عمرا ، وكذلك إذا قلت : بزيد مررت ، أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد ، فأزلت عنه الخطأ مخصصا مروركم بزيد دون غيره ؛ والتخصيص لازم للتقديم ، ولذلك تسمع أئمة علم المعاني في معنى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٢) يقولون : نخصك بالعبادة ، لا نعبد غيرك ، ونخصك بالاستعانة منك لا نستعين أحدا سواك ؛ وفي معنى : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(٣) يقولون : إن كنتم تخصونه بالعبادة. وفي معني قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)(٤) نذهب إلى أنه تعريض
__________________
(١) من (غ). وفي (ط) و (د) (فترده).
(٢) سورة الفاتحة الآية ٤.
(٣) سورة النحل الآية ١١٤.
(٤) سورة البقرة الآية ٤.