وتسمعهم في قوله تعالى (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ)(١) يقولون : قدم الظرف تعريضا بخمور الدنيا ، وأن المعنى : هي على الخصوص لا تغتال العقول اغتيال خمور الدنيا ، ويقولون في قوله تعالى : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)(٢) يمتنع تقديم الظرف على [اسم لا](٣) ؛ لأنه إذا قدم أفاد تخصيص نفي الريب بالقرآن ، ويرجع دليل خطاب على أن ريبا في سائر كتب الله ، وعلى هذا متى قلت : إذا خلوت قرأت القرآن ، أفاد تقديم الظرف اختصاص قراءتك به ورجع إلى معنى لا أقرأ إلّا إذا خلوت ، فافهم.
وإنما لزم التقديم ، استدعاء الحكم ثبوتا ونفيا ، حتى قامت الجملة في نحو : أنا ضربت زيدا ، مقام : ضربت زيدا ، ولم يضربه غيري ، وفي نحو : ما زيدا ضربت ، مقام : ما ضربت زيدا وضربت غيره ، وفي نحو : إذا خلوت قرأت القرآن ، مقام : اقرأ القرآن إذا خلوت ، ولا أقرأ إذا لم أخل ؛ لما عرفت أن حالة التقديم هو أن ترى سامعك يعتقد وقوع فعل وهو مصيب في ذلك ، لكنه مخطئ في الفاعل أو المفعول أو غير ذلك من مقيدات الفعل ، وأنت تقصد رده إلى الصواب ، فإذا نفيت من كان اعتقده من الفاعل أو المفعول ، استدعى المقام غير ذلك ، فيجتمع لذلك نفيك للمنفي مع الإثبات لمن سواه ، وإذا أثبت غير من كان اعتقده ، استدعى المقام نفي من اعتقده لكونه خطأ ، فيجتمع إثباتك للمثبت مع النفي للمنفي ، ويفيد التقديم في جميع ذلك وراء ما سمعت ، نوع اهتمام بشأن المقدم ، فعلى المؤمن في نحو : (بسم الله) ، إذا أراد تقدير الفعل معه ، أن يؤخر الفعل على نحو : بسم الله أقرأ ، أو أكتب ، وكأني بك تقول : فما بال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٤) مقدم الفعل على المفعول ، وأن كلام الله أحق برعاية ما يجب رعايته ،
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية ٤٧.
(٢) سورة البقرة الآيات ١ ـ ٢.
(٣) من (د) و (غ). وفي (ط): (الاسم).
(٤) سورة العلق الآية ١.