نَحْنُ وَآباؤُنا)(١) فقدم ؛ لكونه منها أهم ، يدلك على ذلك أن الذي قبل هذه الآية : (أإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ)(٢) والذي قبل الأولى (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً)(٣) فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابا وعظاما ، والجهة المنظور فيها ههنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا ، لاجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه (٤) ، ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تبعيد البعث ، فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد إلى ذكره ، فصيره هذا العارض أهم ؛ ومنها أن قال في موضع من سورة المؤمنين (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)(٥) فذكر المجرور بعد صفة" الملأ" وهو موضعه كما تعرف ، وفي موضع آخر منها : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٦) فقدم المجرور لعارض صيره بالتقديم أولى ، وهو أنه لو أخر عن الوصف ، وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه : (وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لاحتمل أن يكون من صلة الدنيا ، واشتبه الأمر في القائلين : أهم من قومه أم لا؟ ومنها أن قال في سورة طه : (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(٧) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(٨)
__________________
(١) سورة النمل الآية ٦٨.
(٢) سورة النمل الآية ٦٧.
(٣) سورة الصافات الآية ١٦.
(٤) يعنى قوله : (إذا ضرب أحدكم ، فليجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته رواه أحمد وغيره ، وحسنه الشيخ الألباني في الصحيحة (١ / ٨٦٢) ، والضمير في صورته عائد على المضروب قطعا ، كما فسره أهل العلم ، فأراد النبي (أن ضارب الوجه ، كالمهين لوجه أبيه آدم ، الذي خلق المضروب على صورته والله أعلم ، أما ما ذكره السكاكي ، ههنا ، فباطل ، ولا يجوز حمل الحديث عليه.
(٥) سورة المؤمنون الآية ٢٤.
(٦) سورة المؤمنون ، الآية ٣٣.
(٧) سورة طه الآية ٧٠.
(٨) سورة الشعراء الآية ٤٨.