الاستعاذة ، فذلك لضيق العطن ، وقوله (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ)(١) في موضع : أراد نداء ربه ، بقرينة : (فَقالَ رَبِ) وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٢) في موضع : أردنا هلاكها ، بقرينة : (فَجاءَها بَأْسُنا) والبأس : الإهلاك ، وقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٣) في موضع أردنا هلاكها بقرينة : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي عن معاصيهم للخذلان ، ومنه : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)(٤) أي : أردنا إهلاكها ، إذ معنى الآية : كل قرية أردنا إهلاكها لم يؤمن أحد منهم ، أفهؤلاء يؤمنون؟ وما أدل نظم الكلام على الوعيد بالإهلاك! أما ترى الإنكار في : (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) لا يقع في المحز إلّا بتقدير : ونحن على أن نهلكهم.
وإنما حملت الامتناع عما ذكرت ، على ضيق العطن ، لأنه متى جرى فيما هو أبعد جريا مستفيضا ، يكاد يريك من إذا تكلم بخلافه كمن صلى لغير قبلة ، أليس كل أحد يقول للحفار : خ خ ضيق فم الركية ، وعليه فقس ، والتضييق ، كما يشهد له عقلك الراجح ، هو التغيير من السعة إلى الضيق ، ولا سعة هناك ، إنما الذي هناك هو مجرد تجويز أن يريد الحفار التوسعة ، فينزل مجوز مراده منزلة الواقع ، ثم يأمره بتغييره إلى الضيق ، أما يجب أن يكون في الأقرب أجرى وأجرى؟.
وأمثال ذلك مما تعدى الكلمة بمعونة القرينة عن معناها الأصلي إلى غيره لتعلق بينهما بوجه ، قويا كان أو ضعيفا ، واضحا أو خفيا ، وللتعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى تركه ، يحتمل عندي أن يكون : " منعك" في قوله : علت كلمته : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٥) مرادا به : ما دعاك إلى أن لا تسجد؟ وأن يكون" لا" غير
__________________
(١) سورة هود الآية ٤٥.
(٢) سورة الأعراف الآية ٤.
(٣) سورة الأنبياء الآية ٩٥.
(٤) سورة الأنبياء الآية ٦.
(٥) سورة الأعراف الآية ١٢.