ترى الثياب من الكتّان يلمحها ... |
|
نور من البدر أحيانا فيبليها |
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... |
|
والبدر في كل وقت طالع فيها؟ |
ومع الإصرار على دعوى أنه أسد ، وأنه شمس ، وأنه قمر ، يمتنع أن يقال : لما تستعمل الكلمة فيما هي موضوعة له ، ومدار ترديد الإمام عبد القاهر ، قدس الله روحه ، لهذا النوع بين اللغوي تارة ، وبين العقلي أخرى على هذين الوجهين ، جزاه الله أفضل الجزاء ، فهو الذي لا يزال ينور القلوب في مستودعات لطائف نظره ، لا يألو تعليما ، وإرشادا ، لكنك إذا وقفت على وجه التوفيق بين إصرار المستعير على ادعائه الأسدية للرجل ، وبين نصبه في ضمن الكلام قرينة دالة على أنه ليس الهيكل المخصوص ، مصدقة عنده ، كشف لك الغطاء.
اعلم أن وجه التوفيق هو أن تبنى دعوى الأسدية للرجل على ادعاء أن أفراد جنس الأسد قسمان بطريق التأويل : متعارف ، وهو الذي له غاية جرأة المقدم ، ونهاية قوة البطش مع الصورة المخصوصة ؛ وغير متعارف : وهو الذي له تلك الجراءة وتلك القوة ، لا مع تلك الصورة ، بل مع صورة أخرى ، على نحو ما ارتكب المتنبي هذا الادعاء ، في عد نفسه وجماعته من جنس الجن ، وعد جماله من جنس الطير ، حين قال :
نحن قوم [ملجن](١) في زي ناس ... |
|
فوق طير لها شخوص الجمال (٢) |
مستشهدا لدعواك هاتيك بالمحيلات العرفية ، والتأويلات المناسبة ، من نحو حكمهم إذا رأوا أسدا هرب عن ذئب خ خ أنه ليس بأسد ، وإذا رأوا إنسانا لا يقاومه أحد خ خ أنه ليس بإنسان ، وإنما هو أسد ، أو هو أسد في صورة إنسان ، وأن تخصص تصديق القرينة بنفيها المتعارف الذي يسبق إلى الفهم ، ليتعين ما أنت تستعمل الأسد فيه ، ومن البناء
__________________
(١) يعنى : من الجن.
(٢) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢١١ وعزاه للمتنبى ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤١٦ وفيه [نحن قوم م الجن] والبيت من قصيدة له مطلعها :
صلة الهجر لى وهجر الوصال .. |
|
نكسانى في السقم نكس الهلال |