خلف لما جاء بعظام بالية ففتّها وذرّها في الهواء وقال : يا محمد ، من يحيي العظام وهي رميم! فأنزل الله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (١) (يس : ٧٩) فعلّم سبحانه كيفية الاستدلال برد النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث ، ثم زاد في الحجاج بقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) (يس : ٨٠) وهذا في غاية البيان في رد الشيء إلى نظيره ، والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليهما.
(خامسها) : في قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) (النحل : ٣٨ ، ٣٩). وتقريرها كما قاله ابن السّيد (٢) : «إن اختلاف المختلفين في الحق لا يوجب انقلاب الحق في نفسه ؛ وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه ، والحقّ في نفسه واحد ، فلما ثبت أن هاهنا حقيقة موجودة لا محالة ، و [إن] (٣) كان لا سبيل لنا في حياتنا هذه إلى الوقوف عليها وقوفا يوجب الائتلاف ، ويرفع عنّا الاختلاف ، إذ كان الاختلاف مركوزا في فطرنا ، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الجبلّة ، ونقلها إلى جبلّة غيرها ـ صحّ ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة ، فيها يرتفع الخلاف والعناد ؛ وهذه هي [الحال] (٤) التي وعد الله بالمصير إليها فقال : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) (الحجر : ٤٧) ، ولا بد من كون ذلك باضطرار ؛ إذ كان جواز الخلاف يقتضي الائتلاف ، لأنه نوع من المضاف ، وكان لا بد من حقيقته ، فقد صار [الخلاف] (٥) الموجود ـ كما ترى ـ أوضح دليل على كون البعث الذي ينكره المنكرون».
__________________
(١) هذا الحديث له عدة طرق (الأولى) عن ابن عباس رضياللهعنه مرفوعا ذكرها السيوطي وعزاه لابن مردويه الدر المنثور ٥ / ٢٦٩ ، (الثانية) عن أبي مالك غزوان مرسلا ، أخرجها الواحدي في أسباب النزول ص ٢٧٤ ، وذكرها السيوطي وعزاها لسعيد بن منصور ـ ولم نجدها في المطبوع من السنن ـ وابن المنذر والبيهقي في البعث ـ ولم نجدها في المطبوع ـ الدر المنثور ٥ / ٢٦٩ (الثالثة) عن مجاهد وقتادة مرسلا ، ذكرها الطبري في التفسير ٢٣ / ٢١ ، وذكرها ابن كثير في التفسير ٣ / ٥٨٨ وعزاه أيضا لعكرمة ، وعروة بن الزبير ، والسدي.
(٢) هو أبو محمد عبد بن الله بن محمد بن السيد النحوي اللغوي تقدم ذكره في ١ / ٣٤٣.
(٣) ساقط من المطبوعة.
(٤) ساقط من المخطوطة.
(٥) ساقط من المخطوطة.