وقيل : لا يقع النسخ في قرآن يتلى وينزل. والنسخ مما خصّ الله به هذه الأمة (١) في حكم من التيسير (١). ويفرّ هؤلاء من القول بأنّ الله ينسخ شيئا بعد نزوله والعمل به ؛ وهذا مذهب اليهود في الأصل ، ظنا منهم أنّه بداء ، كالذي يرى الرأي ثم يبدو له ؛ وهو باطل ، لأنه بيان مدة الحكم (٢) ، ألا ترى الإحياء بعد الإماتة وعكسه ، والمرض بعد الصحة وعكسه ، والفقر بعد الغنى وعكسه ؛ وذلك لا يكون بداء ، فكذا الأمر والنهي.
وقيل : إن الله تعالى نسخ القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أمّ الكتاب ، فأنزله على نبيّه ، والنسخ لا يكون إلا من أصل.
والصحيح جواز النسخ ووقوعه سمعا وعقلا.
ثم اختلفوا فقيل : لا ينسخ قرآن إلا بقرآن لقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦) ، قالوا : ولا يكون مثل القرآن وخيرا منه إلا قرآن.
وقيل : بل السنة لا تنسخ السنة.
وقيل : السّنة إذا كانت بأمر (٣) الله من طريق الوحي نسخت ، وإن كانت باجتهاد فلا تنسخه. حكاه ابن حبيب النيسابوري في تفسيره (٤).
وقيل : بل إحداهما (٥) [تنسخ الأخرى ، ثم اختلفوا فقيل : الآيتان إذا أوجبتا حكمين مختلفين وكانت إحداهما (٥) متقدمة [على] (٦) الأخرى ، فالمتأخرة ناسخة للأولى ، كقوله
__________________
(١) كذا في المخطوطة والمطبوعة ، وقد نقل السيوطي عبارة الزركشي في الإتقان ٣ / ٦٠ فقال : «والنسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم ، منها التيسير).
(٢) قال ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص ٨٠ : (وأما الدليل على جواز النسخ عقلا ... ، فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادة في مدة معلومة ، ثم يرفعها ويأمر بغيرها ... ، فجائز أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمان دون زمان ، ويوضح هذا أنه قد جاز في العقل تكليف عبادة متناهية كصوم يوم ، وهذا تكليف انقضى بانقضاء زمان ، ثم قد ثبت أن الله تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى ومن الصحة إلى السقم ... ، وهو أعلم بالمصالح وله الحكم).
(٣) عبارة المخطوطة. (بأمر من الله).
(٤) هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب أبو القاسم النيسابوري تقدم ذكره في ١ / ٢٧٩ ، وتفسيره ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٤٦٠ فقال : (تفسير النيسابوري القديم ، هو أبو القاسم الحسن بن محمد الواعظ المتوفى سنة ٤٠٦).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٦) ساقط من المخطوطة.