الحمإ ، والحمأ غير التراب ؛ إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال.
ومنه قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (الشعراء : ٣٢) وفي موضع : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) (القصص : ٣١) والجانّ : الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، وذلك (١) لأنّ خلقها (١) خلق الثعبان العظيم ، واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفّته.
* السبب الثاني : لاختلاف الموضوع ، كقوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (الصّافّات : ٢٤) وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (الأعراف : ٦) مع قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (الرحمن : ٣٩). قال الحليمي (٢) : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه. [و] (٣) حمله غيره على اختلاف الأماكن ؛ لأن في [٨٣ / ب] القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش ، وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنّف ويوبّخ ـ وهم الكفّار ـ وموضع آخر لا يعنّف ـ وهم المؤمنون.
وقوله : ([وَ] (٤) لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (البقرة : ١٧٤) مع قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر : ٩٢ و ٩٣) [و] (٤) قيل : المنفيّ كلام التلطّف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي.
وكقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠) مع قوله : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) (هود : ٢٠) والجواب أنّ التضعيف هنا ليس على حدّ التضعيف في الحسنات ؛ بل هو راجع لتضاعيف مرتكباتهم ؛ فكان لكلّ مرتكب منها عذاب يخصّه ، فليس التضعيف من هذا الطريق على ما هو في الطريق الآخر ؛ وإنما المراد هنا تكثيره بحسب كثرة المجترحات ؛ لأن السيئة الواحدة يضاعف الجزاء عليها ، بدليل سياق تلك الآية ، وهو قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها
__________________
(١) في المخطوطة (لأن الله خلقها).
(٢) هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الشافعي تقدم التعريف به في ١ / ٣٢٢ ، وانظر المنهاج في شعب الإيمان ١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦ الثامن من شعب الإيمان.
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) ليست في المخطوطة.