عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (هود : ١٨ و ١٩) فهؤلاء كذبوا على ربهم ، وصدّوا عن سبيله وبغوها عوجا وكفروا ، فهذه مرتكبات عذّبوا بكل مرتكب منها.
وكقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (الأنعام : ٢٣) مع قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (النساء : ٤٢) فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق.
والجواب من وجهين : (أحدهما (١)) أنّ للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع كما سبق. (والثاني) أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق ، فتنطق بالصدق.
وكقوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها) (الأنعام : ١٦٤) مع قوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة : ٢٨٦) والجواب أن المراد : لا تكسب شرا ولا إثما ؛ بدليل سبب النزول أو ضمّن معنى «تجني» وهذه الآية [اقتصر] (٢) فيها على الشرّ والأخرى ذكر فيها الأمران ؛ ولهذا لمّا (٢) [ذكر القسمين ذكر ما يميّز أحدهما عن الآخر ، وهاهنا لما] (٢) كان المراد ذكر أحدهما اقتصر عليه ب «فعل» ولم يأت ب «افتعل».
ومنه قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (آل عمران : ١٠٢) مع قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن : ١٦) يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي (٣) رحمهالله أنه جمع بينهما ؛ فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ؛ لأنه قال بعد الأولى : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران : ١٠٢).
وقيل : بل الثانية ناسخة ؛ قال ابن المنيّر (٤) : الظاهر أن قوله [تعالى] : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (آل عمران : ١٠٢) إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ؛ وقد فسّر النبي صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) في المخطوطة (الأول).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار ، أبو الحسن الشاذلي الضرير الزاهد ، نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية. وقد انتسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب. كان كبير المقدار عالي المقام. له نظم ونثر. صحب الشيخ نجم الدين بن الأصفهاني نزيل الحرم ومن أصحابه الشيخ أبو العباس المرسي حجّ مرات ومات بصحراء عيذاب سنة (٦٥٦ ه) فدفن هناك. (ابن الملقّن ، طبقات الأولياء ٤٥٨).
(٤) هو أحمد بن محمد بن منصور تقدم التعريف به في ١ / ١٧٦.