(حَقَّ تُقاتِهِ) بأن قال : «هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر» ، فقالوا : أيّنا يطيق ذلك؟ فنزلت (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١) (التغابن : ١٦) وكان التكليف أولا باستيعاب (٢) العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ، ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منزّل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط عن درجاته.
وقال الشيخ كمال الدين الزّملكانيّ (٣) : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) هو (حَقَّ تُقاتِهِ) إذ به أمر ، فإنّ (حَقَّ تُقاتِهِ) الوقوف على أمره (٤) ودينه. وقد قال بذلك كثير من العلماء. انتهى.
والحديث الذي ذكره ابن المنيّر في «تفسيره (٥)» : (حَقَّ تُقاتِهِ) لم يثبت مرفوعا ؛ بل هو من كلام ابن مسعود [رضياللهعنه كذلك] (٦) ، رواه النّسائيّ وليس فيه [٨٤ / أ] قول الصحابة : «أيّنا يطيق ذلك» ونزول قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
ومنه قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (النساء : ٣) مع قوله [تعالى] في أواخر السورة (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (النساء : ١٢٩) فالأولى تفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه.
__________________
(١) هذا الحديث ذكره ابن المنيّر مرفوعا ، بينما الصواب فيه أنه موقوف على ابن مسعود رضياللهعنه ، كما سيذكره الزركشي بعد في استدراكه على ابن المنيّر ، وقد أخرجه من رواية ابن مسعود رضياللهعنه موقوفا ، ابن المبارك في الزهد ص ٨ باب التحضيض على طاعة الله عزوجل ، وذكره المزي في تحفة الأشراف ٧ / ١٤٠ الحديث (٩٥٥٦) وعزاه للنسائي في الكبرى ، وأخرجه الطبري في التفسير ٤ / ١٩ تفسير الآية من سورة آل عمران ، وأخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ٨٨ باب ذكر الآية الثانية من سورة آل عمران ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ٣٢٦ كتاب التفسير باب سورة آل عمران وعزاه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٩٤ كتاب التفسير ، باب شرح معنى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) وقال (على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٥٩ سورة آل عمران وعزاه أيضا لعبد الرزاق ، وللفريابي ، ولعبد بن حميد ، ولابن أبي شيبة ، ولابن المنذر ، ولابن أبي حاتم ، ولابن مردويه.
(٢) في المخطوطة (وكالتكليف أو باستيعاب العمر بالعبادة).
(٣) تقدمت ترجمته في ١ / ١٣٥.
(٤) في المخطوطة (مع أمره).
(٥) هو التفسير المسمّى بالبحر الكبير تقدم الكلام عنه في ١ / ١٧٦.
(٦) ليست في المخطوطة.