«وأجيب بوجهين : (أحدهما) : أنّ هذا كان قبل نزول [هذه] (١) الآية ؛ لأن غزوة أحد كانت سنة ثلاث (٢) من الهجرة ، وسورة المائدة من أواخر ما نزل بالمدينة. (والثاني) : بتقدير تسليم الأخير ، فالمراد [٨٥ / ب] العصمة من القتل. وفيه تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلاء فما أشد تكليف الأنبياء» (٣)! ومنه قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل : ٣٢) مع قوله صلىاللهعليهوسلم : «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» (٤)».
«وأجيب بوجهين :
(أحدهما) ـ ونقل عن سفيان وغيره ـ كانوا يقولون : النجاة من النار بعفو الله ، ودخول الجنة برحمته ، وانقسام المنازل والدرجات بالأعمال ، ويدل له حديث أبي هريرة : «إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم». (٥) رواه الترمذيّ.
(والثاني) : أنّ الباء (٦) في الموضعين مدلولها مختلف ، ففي الآية باء المقابلة ، وهي الداخلة على الأعواض ؛ وفي الحديث للسببية ؛ لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا ، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب. ومنهم من عكس هذا الجواب وقال : الباء في الآية للسببية ، وفي الحديث للعوض» (٧) ، وقد جمع النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «سدّدوا وقاربوا واعلموا أن أحدا
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية ٣ / ٦٠ غزوة أحد في شوال سنة ثلاث.
(٣) هذه العبارة منقولة بتصرف عن الفخر الرازي في التفسير ١٢ / ٥٠ عند تفسير سورة المائدة.
(٤) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضياللهعنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ٢٩٤ كتاب الرقاق (٨١) ، باب القصد والمداومة على العمل (١٨) ، الحديث (٦٤٦٤) واللفظ له ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٠ كتاب صفات المنافقين ... (٥٠) ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ... (١٧) ، الحديث (٧٥ / ٢٨١٦).
(٥) الحديث أخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٦٨٥ كتاب صفة الجنة (٣٨) ، باب ما جاء في سوق الجنة (١٥) ، الحديث (٢٥٤٩). وهي العبارة الأولى من حديث طويل ، وأخرجه ابن ماجة في السنن ٢ / ١٤٥٠ كتاب الزهد (٣٧) ، باب صفة الجنة (٣٩) الحديث (٤٣٣٦).
(٦) الكلام على الباء في الحديث «بعمله» ذكره ابن هشام في مغني اللبيب ٢ / ١٠٤ عند كلامه على حرف الباء.
(٧) ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ١١ / ٢٩٥ كتاب الرقاق (٨١) ، باب القصد والمداومة ...