قوله تعالى : (ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (الزمر : ٥٦) قال اللغويون : معناه ما فرطت في طاعة الله وأمره ، لأن التفريط لا يقع إلا في ذلك ، والجنب المعهود من ذوي الجوارح لا يقع فيه تفريط البتة ، فكيف يجوز وصف القديم سبحانه بما لا يجوز! قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (الرحمن : ٣١) فرغ يأتي بمعنى قطع شغلا ، أتفرّغ لك ، أي أقصد قصدك ، والآية منه ، أي سنقصد لعقوبتكم ، ونحكم جزاءكم.
قوله تعالى : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) (غافر : ٣٧) إن قيل : لأيّ علة (١) نسب الظنّ إلى الله وهو شك؟ قيل : فيه جوابان : (أحدهما) : أن يكون الظنّ لفرعون ، وهو شك لأنه قال قبله : (فَأَطَّلِعَ) (٢) إِلى إِلهِ مُوسى (غافر : ٣٧) وإني لأظنّ موسى كاذبا ، فالظن على هذا لفرعون.
(والثاني) : أن يكون تم (٣) الكلام عند قوله : (أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ [كاذِباً]) (٤) (غافر : ٣٧) على معنى : وإني لأعلمه كاذبا ؛ فإذا كان الظن لله ، كان علما ويقينا ، ولم يكن شكّا كقوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (الحاقة : ٢٠).
وقوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) لم يرد سبحانه بنفي النوم والسّنة عن نفسه إثبات اليقظة والحركة ؛ لأنّه لا يقال لله تعالى : يقظان ولا نائم ، لأن اليقظان (٥) لا يكون إلا عن نوم ، ولا يجوز وصف القديم به ، وإنما أراد بذلك نفي الجهل والغفلة ، كقوله : ما أنا عنك بغافل.
قوله [تعالى] : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) قال السّهيليّ (٦) : اليد في الأصل كالمصدر ، عبارة عن صفة لموصوف ، ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (ص : ٤٥) ولم يمدحهم بالجوارح ؛ لأن المدح إنما
__________________
(١) في المخطوطة (لأي شيء).
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى : (لعلي أطلع).
(٣) في المخطوطة (الكلام تمّ).
(٤) ليست في المطبوعة.
(٥) في المخطوطة (لأن اليقظة).
(٦) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.