يتعلق بالصفات لا بالجواهر ، قال : وإذا ثبت هذا فصحّ قول الأشعري : إن اليدين في قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) صفة ورد بها الشرع ، ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه ، ولا بمعنى النعمة ، ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزا منه عن مخالفة السلف ، وقطع بأنها صفة تحرزا عن مذاهب المشبّهة.
فإن قيل : وكيف خوطبوا بما لا يعلمون إذ اليد بمعنى الصفة لا يعرفونه ، ولذلك لم يسأل أحد منهم عن معناها ، ولا خاف على نفسه توهّم التشبيه ، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه ، وكذلك الكفار ، لو كان لا يعقل (١) عندهم إلا في الجارحة لتعلّقوا بها في دعوى التناقض ، واحتجّوا بها على الرسول ، ولقالوا : زعمت [٨٩ / أ] أنّ الله ليس كمثله شيء ، ثم تخبر أنّ له يدا ، ولمّا [لم] (٢) ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر ، علم أن الأمر عندهم كان جليّا لا خفاء (٣) به ، لأنها صفة سميت الجارحة بها مجازا ، ثم استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة ، وربّ مجاز كثير استعمل حتى نسي أصله ، وتركت صفته ـ والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخصّ ، والقدرة أعمّ ، كالمحبة مع الإرادة والمشيئة ، فاليد أخصّ من معنى القدرة ، ولذا (٤) كان فيها تشريف لازم.
وقال البغويّ (٥) في تفسير قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) في تحقيق الله [تعالى] التثنية في اليد دليل على أنه ليس بمعنى النعمة [والقوة] (٦) والقدرة ، وإنما هما صفتان من صفات ذاته. قال مجاهد (٧) : اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة مجاز (لِما خَلَقْتُ) كقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (الرحمن : ٢٧) قال البغويّ : وهذا تأويل غير قويّ ؛ لأنها لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول : إن كنت خلقته فقد خلقتني ، وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون لآدم في الخلق مزيّة على إبليس. وأما قوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ
__________________
(١) في المخطوطة (لا يقبل عندهم).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (جليا لا خفيا).
(٤) في المخطوطة (ولذلك).
(٥) انظر قول البغوي في تفسيره ٢ / ٥٠ (طبعة المعرفة ببيروت) في الكلام على الآية (٦٤) من سورة المائدة : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) قال البغوي ما نصّه : (ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه» وقال جل ذكره : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ). وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كلتا يديه يمين» ـ [صحيح مسلم : ٣ / ١٤٥٨ ، كتاب الإمارة ، الحديث ١٨ / ١٨٢٧ من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص] ـ والله أعلم بصفاته ، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم).
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) قول مجاهد ليس في تفسيره المطبوع.