أَيْدِينا) (يس : ٧١) فإن العرب تسمّي الاثنين جمعا ، كقوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) (الحج : ١٩).
وأما العين في الأصل فهي صفة ومصدر لمن قامت به ثم عبّر عن حقيقة الشيء بالعين قال : وحينئذ فإضافتها للبارئ في قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) حقيقة ـ لا مجاز كما توهم أكثر الناس ـ لأنه صفة في معنى الرؤية والإدراك ، وإنما المجاز في تسمية العضو بها ، وكلّ شيء يوهم الكيف (١) والتجسيم ، فلا يضاف إلى البارئ سبحانه لا حقيقة ولا مجازا.
قال السّهيليّ : ومن فوائد هذه المسألة أن يسأل عن المعنى الذي لأجله قال : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) بحرف (عَلى) وقال : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (هود : ٣٧) وما الفرق؟ والفرق أنّ الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفيا وإبداء ما كان مكنونا ، فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذّون ويصنعون سرا (٢) ، فلما أراد أن يصنع موسى ويغذّى ويربّى على جليّ أمن وظهور أمر لا تحت خوف واستسرار دخلت (على) [في] (٣) اللفظ تنبيها على المعنى لأنها تعطي [معنى] (٣) الاستعلاء ، والاستعلاء ظهور وإبداء ، فكأنه سبحانه يقول : ولتصنع على [عيني] (٤) أمن لا تحت خوف ، وذكر العين لتضمّنها معنى الرعاية والكلأ. وأما قوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (هود : ٣٧) فإنه إنما يريد في رعاية منّا وحفظ ، ولا يريد إبداء شيء ولا إظهاره بعد كتم ، فلم يحتج الكلام إلا معنى «على».
ولم يتكلم السّهيليّ على حكمة الإفراد في قصة موسى والجمع في الباقي ، وله (٥) سرّ لطيف ، وهو إظهار الاختصاص الذي خصّ به موسى في قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طه : ٤١) فاقتضى الاختصاص [الاختصاص] (٦) الآخر في قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) ، بخلاف قوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (هود : ٣٧) فليس فيه من الاختصاص ما في صنع موسى على عينه سبحانه.
__________________
(١) تصحفت في المطبوعة إلى (الكفر) ورسمها في المخطوطة موهم ، والصواب ما أثبتناه.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة هي بالشين المعجمة (شرا) وسياق الكلام يقتضي كونها بالسين المهملة.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) سقطت من المطبوعة.
(٥) في المطبوعة (وهو سر لطيف).
(٦) ليست في المخطوطة.