وهو قول فاسد بدليل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء : ٨٨) فإنّه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا (١) القدرة لم يبق فائدة لاجتماعهم ، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى بكبير يحتفل بذكره ، هذا مع أن الاجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا غيره وليس فيه صفة إعجاز ؛ بل المعجز هو الله [تعالى] ، حيث سلبهم قدرتهم عن الإتيان بمثله.
وأيضا يلزم من القول بالصّرفة فساد آخر ، وهو زوال الإعجاز (٢) بزوال زمان التحدّي ، وخلوّ القرآن من الإعجاز ؛ وفي ذلك خرق لإجماع الأمة ، فإنهم أجمعوا على بقاء معجزة الرسول العظمى ، ولا معجزة له باقية سوى القرآن ، وخلوّه من الإعجاز يبطل كونه معجزة.
قال القاضي أبو بكر (٣) : «ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة ـ وإنما منع منها الصّرفة ـ لم يكن الكلام معجزا ، [وإنّما يكون المنع معجزا] (٤) فلا يتضمن الكلام فضلا على غيره في نفسه. [٩٠ / ب] وليس هذا بأعجب مما ذهب إليه فريق منهم أن الكلّ قادرون على الإتيان بمثله ؛ وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلّموه لوصلوا إليه ، ولا بأعجب من قول فريق منهم إنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله في هذا الباب. وزعم قوم أنّ ابن المقفع عارض القرآن ، وإنما وضع حكما» (٥).
* (الثاني) أن وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به ، لا مطلق التأليف ، وهو بأن
__________________
الجاحظ ، قال بعضهم : كان النظام على دين البراهمة المنكرين للنبوة والبعث ويخفي ذلك وله نظم وترسل وتصانيف منها : «الجواهر والأعراض» و «حركات أهل الجنة» و «الطفرة» و «الوعيد» وغيرها. ورد أنه سقط من غرفة وهو سكران سنة ٢٢٠ ه (سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٤١).
(١) في المطبوعة تحرف اللفظ إلى (سئلوا).
(٢) تحرفت في المخطوطة إلى (الاعداد).
(٣) هو محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني تقدم في ١ / ١١٧ ، وانظر قوله في كتابه «إعجاز القرآن» ص ٣٠.
(٤) ليست في المخطوطة ، والعبارة في إعجاز القرآن (وإنما يكون المنع هو المعجز).
(٥) انظر قول الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص ٣٠ ـ ٣٢ أواخر فصل في بيان وجه الدلالة على أن القرآن معجز.