فأعلمهم مواضع حديثه من القرآن ، ونبههم على مصداق خطابه من الكتاب ، ليستخرج علماء أمته معاني حديثه طلبا لليقين ، ولتستبين لهم السبيل ، حرصا منه عليهالسلام على أن يزيل عنهم الارتياب ، وأن يرتقوا في الأسباب. ثم بدأ رضياللهعنه [٩٦ / ب] بحديث : «إنما الأعمال بالنيات» (١) وقال موضعه نصّا في قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الإسراء : ١٨) إلى قوله : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الإسراء : ١٩).
ونظيرها في هود (الآية : ١٥) والشورى (الآية : ٢٠).
وموضع التصريح به قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (البقرة : ٢٢٥) و (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) (المائدة : ٨٩).
وأما التعريض فكثير ، مثل قوله : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء : ١٣٩) (٢) ([مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)] (٢) (فاطر : ١٠) قد علم الله عزوجل أنهم كانوا يريدون الاعتزاز ، لأن الإنسان مجبول على طلب العزة ؛ فمخطئ أو مصيب. فمعنى الآية والله أعلم : بلّغ هؤلاء المتخذين الكافرين أولياء من دون الله من ابتغاء العزة بهم ، أنهم قد أخطئوا مواضعها وطلبوها في غير مطلبها ، فإن كانوا يصدقون أنفسهم في طلبها فليوالوا الله جل جلاله ، وليوالوا من والاه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون : ٨). فكان ظاهر آية النساء تعريضا لظاهر آية المنافقين ، وظاهر آية [سورة] (٣) المنافقين تعريضا بنصّ الحديث المرويّ.
ومن ذلك حديث جبريل في الإيمان والإسلام (٤) ، بيّن فيه أن الشهادة بالحق والأعمال
__________________
(١) الحديث متفق عليه من رواية عمر رضياللهعنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٩ كتاب بدء الوحي (١) باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) ، الحديث (١) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٥١٥ ـ ١٥١٦ كتاب الإمارة (٣٣) ، باب قوله صلىاللهعليهوسلم «إنما الأعمال بالنية» (٤٥) ، الحديث (١٥٥ / ١٩٠٧).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضياللهعنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ١١٤ كتاب الإيمان (٢) ، باب سؤال جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم ... (٣٧) ، الحديث (٥٠) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٩ كتاب