يتفاوت! (قلت) : إنما جاز في الآية لأنه من عمى القلب ، أي من كان في هذه الدنيا أعمى القلب عما يرى من القدرة الإلهيّة ، ولا يؤمن به فهو عما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى أن يؤمن به ؛ أي أشدّ عمى. ولا شك أن عمى البصيرة متفاوت.
ومنه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة : ١٥٣) قال : البيهقيّ في «شعب الإيمان» (١) : الأشبه أن المراد بالصبر هاهنا الصبر على الشدائد ، لأنّه أتبع مدح الصابرين بقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) (البقرة : ١٥٤) إلى قوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) (١٥٥ و ١٥٦).
* الثاني : أن يكون بيانه منفصلا عنه في السورة معه أو في غيره ، كقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٤) وبيانه في سورة الانفطار ، بقوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (الانفطار : ١٧ ـ ١٩).
وقوله في سورتي النمل (الآية : ٨٩) والقصص : (الآية : ٨٤) : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ولم يبيّن في ليل ولا نهار ، وبيّنه في سورة الدخان بقوله : (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (الآية : ٣) ثم بيّنها في ليلة القدر بقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (الآية : ١) فالمباركة في الزمان ، هي ليلة القدر في هذه السورة ؛ لأنّ الإنزال واحد ، وبذلك يردّ على من زعم أن المباركة ليلة النصف من شعبان [١٠٧ / أ] وعجب كيف غفل عن ذلك. وقد استنبط بعضهم هنا بيانا آخر ، وهو أنّها ليلة سبعة عشر ، من قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) (الأنفال : ٤١) وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان ؛ وفي ذلك كلام.
وقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (المائدة : ٥٤) فسّره في آية الفتح : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (الآية : ٢٩). وقوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) (الحج : ٢٣ و ٢٤) وقد فسره في سورة فاطر : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (الآية : ٣٤) وقوله [تعالى] (٢) (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ
__________________
(١) تقدم في ١ / ٣١٠.
(٢) ليست في المطبوعة.