لأنه دعا ربّه من مرتبة حضوره معهم في مقام الملك لقوله : (إِنَّ هؤُلاءِ) (الزخرف : ٨٨) ، وأسقط حرف ضميره لمغيبه عن ذاته في توجّهه في مقام الملكوت ورتبة إحسانه في إسلامه.
وكذلك في مثل : (يا قَوْمِ) (هود : ٦٣) دلالة على أنه خارج عنهم في خطابه ، كما هو ظاهر في الإدراك ؛ وإن كان متصلا بهم في النسبة الرابطة بينهم في الوجود ، العلوية من الدلائل.
* والقسم الثاني (١) : إذا كانت الياء لام الكلمة في الفعل أو الاسم ؛ فإنها تسقط من حيث يكون معنى الكلمة يعتبر من مبدئه الظاهر شيئا بعد شيء إلى ملكوتية الباطن ، إلى ما لا يدرك منه إلا إيمانا وتسليما ، فيكون حذف الياء منبّها على ذلك ، وإن لم يكمل اعتباره في الظاهر من ذلك الخطاب بحسب عرض الخطاب ، مثل : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء : ١٤٦) ، هو (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) (الزخرف : ٧١) وقد ابتدأ ذلك لهم في الدنيا متصلا بالآخرة.
وكذلك : (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج : ٥٤) حذفت لأنه يهديهم بما نصب [لهم] (٢) في الدنيا من الدلائل والعبر إلى الصراط المستقيم ، يرفع درجاتهم في هدايتهم إلى حيث لا غاية (٣) ، قال الله [تعالى] : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (ق : ٣٥) [وكذلك] (٢) : (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ) (الروم : ٥٣) في الروم ، هذه الهداية هي الكلية على التفصيل بالتوالي التي ترقّي العبد في هدايته من الأوثان (٤) إلى ما يدركه العيان ؛ ليس ذلك للرسول عليهالسلام بالنسبة إلى العيان. ويدلّ على ذلك قوله قبلها : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ..) (الروم : ٥٠) فهذا النظر من عالم الملك ذاهبا في النظر إلى عالم الملكوت إلى ما [لا] (٥) يدرك [إلا] (٥) إيمانا وتسليما. وهذا بخلاف الحرف الذي في النمل : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) (النمل : ٨١) ؛ فثبتت الياء ؛ لأن هذه الهداية كلّية كاملة ، بدليل قوله : (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل : ٧٩).
__________________
(١) هو القسم الثاني من الضرب الثاني المذكور في ٢ / ٣٣ وانظر المقنع ص : ٣٠ ـ ٣٤.
(٢) ساقط من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة : (إلى حيث لا إلى غاية) بزيادة (إلى).
(٤) في المطبوعة : (الأرباب).
(٥) ساقط من المخطوطة.