به! استعظمت حسنه على حسن غيره». وقال الزمخشري في تفسير سورة الصفّ (١) : «معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين ؛ لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله». وقال الرّماني (٢) : «المطلوب في التعجب الإبهام ؛ لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه ، وكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن ؛ قال : وأصل التعجّب إنما هو للمعنى الخفيّ سببه ، والصيغة الدالة عليه تسمى تعجّبا ، يعني مجازا. قال : ومن أجل الإبهام لم تعمل «نعم» إلا في الجنس من أجل التفخيم ؛ ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر.
ثم قد وضعوا للتعجب صيغا من لفظه ، وهي : «ما أفعله» و «أفعل به» ، وصيغا من غير لفظه نحو «كبر» (٣) ، نحو [قوله تعالى] (٤) (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (الكهف : ٥) (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) (الصف : ٣) (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (البقرة : ٢٨) ، واحتج الثمانيني (٥) على أنه خبر بقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) (مريم : ٣٨) تقديره : ما أسمعهم وأبصرهم! والله سبحانه لم يتعجب بهم ولكن دلّ المكلّفين على أن هؤلاء قد نزّلوا منزلة من يتعجب منه. وهنا مسألتان :
(الأولى) : قيل لا يتعجب من فعل الله ، فلا يقال : «ما أعظم الله!» لأنه يؤول إلى : «شيء عظم (٦) [الله] (٧)» كما في غيره من صيغ التعجب ، وصفات الله تعالى قديمة. وقيل : بجوازه باعتبار أنه يحب تعظيم الله بشيء من صفاته ، فهو يرجع لاعتقاد العباد عظمته [وقدرته ، وقد] (٨) قال (٩) الشاعر :
__________________
(١) انظر الكشاف ٤ / ٩٢. في تفسير قوله تعالى (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (الآية : ٣).
(٢) هو أبو الحسن علي بن عيسى الرماني ، تقدم ذكره في ١ / ١٥١.
(٣) في المخطوطة (كفر).
(٤) ليست في المطبوعة.
(٥) هو عمر بن ثابت أبو القاسم النحوي الضرير. كان قيّما بعلم النحو عارفا بقوانينه ، وانتفع بالاشتغال عليه جمع كبير. أخذ النحو عن أبي الفتح ابن جني ، وأخذ عنه الشريف أبو المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا العلوي الحسيني. شرح كتاب «اللمع» في التصريف لابن جني ت ٤٤٢ ه (وفيات الأعيان ٣ / ٤٤٣).
(٦) في المخطوطة (عظيم).
(٧) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(٨) ساقط من المخطوطة.
(٩) في المخطوطة (وقال).