ما أقدر الله أن يدنى على شحط (١) |
|
من داره الحزن ممّن داره صول (٢) |
والأولون قالوا : هذا أعرابي جاهل بصفات الله. وقال بعض المحققين : التعجب إنما يقال لتعظيم الأمر المتعجب منه ، ولا يخطر بالبال أن شيئا صيّره كذلك ، وخفي علينا ، فلا يمتنع حينئذ التعجب من فعل الله.
(والثانية) (٣) : هل يجوز إطلاق التعجب في حق الله [تعالى] (٤)؟ فقيل بالمنع ؛ لأن التعجب استعظام ويصحبه الجهل والله سبحانه منزّه عن ذلك ، وبه جزم ابن عصفور (٥) في «المقرب». قال : «فإن ورد ما (٦) ظاهره ذلك صرف إلى المخاطب ؛ كقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (البقرة ١٧٥) (٧) [أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم» وقيل : بالجواز ، لقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (البقرة ١٧٥)] (٧) إن (٧) [قلنا] (٧) : «ما» تعجبيّة لا استفهامية ، وقوله : (بَلْ عَجِبْتَ) (الصافات : ١٢) في قراءة بعضهم بالضم (٨).
والمختار الأول ، وما وقع منه أوّل بالنظر إلى المخاطب ، أي علمت أسباب ما يتعجب منه العباد ، فسمى العلم بالعجب عجبا.
وأصل الخلاف في هذه المسألة يلتفّ على خلاف آخر ، وهو أن حقيقة التعجب ؛ هل يشترط فيه خفاء سببه فيتحير فيه المتعجب منه أو لا؟ ولم يقع في القرآن صيغة التعجب إلا قوله :
__________________
(١) في المخطوطة (سخط).
(٢) البيت لحندج بن حندج المري وهو من قصيدة لامية مطلعها :
في ليل صول تناهى العرض والطول |
|
كأنما ليله بالليل موصول |
ذكره العيني في شرح شواهد الألفية المطبوع بهامش خزانة الأدب ١ / ٢٣٨. وذكره السيوطي في همع الهوامع ٢ / ١٦٧.
(٣) في المخطوطة (والثاني منه).
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) هو علي بن مؤمن بن محمد الإشبيلي ، تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ ، وكتابه «المقرّب» طبع في بغداد بتحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري ، ونشرته رئاسة ديوان الأوقاف عام ١٣٩١ ـ ١٣٩٢ ه / ١٩٧١ ـ ١٩٧٢ م ، وأعاد تحقيقه يعقوب يوسف الغنيم ، كرسالة ماجستير بدار العلوم في جامعة القاهرة (ذخائر التراث العربي ١ / ١٩٠).
(٦) في المخطوطة (مما).
(٧) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(٨) قرأ حمزة والكسائي بالضم ، والباقون بالفتح (التيسير ص ١٨٦).