(الأولى) : في الفرق بينه وبين الجحد ، قال ابن الشجري (١) : «إن كان النافي صادقا فيما قاله ، سمّي كلامه نفيا ، وإن كان يعلم كذب ما نفاه كان جحدا ؛ ((٢) فالنفي أعمّ ، لأن كلّ جحد نفي من غير عكس ؛ فيجوز أن يسمى الجحد نفيا ، لأن النفي أعمّ ، ولا يجوز أن يسمى النفي جحدا (٢)). فمن النفي : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (الأحزاب : ٤٠). ومن الجحد نفي فرعون وقومه لآيات موسى عليهالسلام ، قال [الله] (٣) تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (النمل : ١٣ ، ١٤) ، أي وهم يعلمون أنها من عند الله».
وكذلك إخبار الله عمّن كفر من أهل الكتاب : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) (المائدة : ١٩) فأكذبهم الله بقوله : (٤) [(فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ) (المائدة : ١٩)] (٤) (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (الأنعام : ٢٤) وقوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) (التوبة : ٧٤) فأكذبهم الله بقوله : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) (التوبة : ٧٤).
قال : «ومن العلماء من لا يفرق بينهما ، والأصل [فيه] (٥) ما ذكرته (٦)».
* (الثانية) : زعم بعضهم أنّ من شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفيّ عنه بذلك الشيء ، ومن ثمّ قال بعض الحنفية : إنّ النهي عن الشيء يقتضي الصحة ، وذلك باطل ؛ بقوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٧) (البقرة : ١٤٤) (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (مريم : ٦٤) (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (الأنعام : ١٤)
__________________
(١) هو هبة الله بن علي بن محمد أبو السعادات ابن الشجري العلوي ، أحد أئمة النحو ، وله معرفة تامّة باللغة كان فصيحا حلو الكلام ، حسن البيان والإفهام ، قرأ الحديث على الحسين بن المبارك الصيرفي ، ومحمد بن سعيد بن نبهان وغيرهما وانتفع عليه جماعة. من مصنفاته «الأمالي» و «الانتصار» و «شرح اللمع». ت ٥٤٢ ه (إنباه الرواة ٣ / ٣٥٦). وانظر قوله في أماليه ١ / ٢٥٦ ، في المجلس الثالث والثلاثين : تفسير أبيات الخنساء وغير ذلك.
(٢) كذا عبارة الزركشي وفيها تصرف في النقل عن ابن الشجري ، وأما كلام ابن الشجري بنصّه فهو : «فالنفي إذن أعمّ من الجحد ؛ لأن كل جحد نفي ، وليس كل نفي جحدا ...».
(٣) اسم الجلالة ليس في المخطوطة.
(٤) الآية ليست في المطبوعة.
(٥) ساقطة من المطبوعة ، وهي من المخطوطة ، وفي لفظ ابن الشجري.
(٦) في المخطوطة (ذكرنا) ، وعبارة ابن الشجري : (ذكرت لك).
(٧) في المخطوطة (تعملون) وهي في البقرة : ٧٤.