ونظائره. والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا ، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه ، فنفي الشيء عن الشيء لا يستلزم إمكانه [له] (١).
(الثالثة) : المنفيّ ما ولي حرف النفي ، فإذا قلت : «ما ضربت زيدا» كنت نافيا للفعل الذي هو ضربك إياه ، وإذا قلت : «ما أنا ضربته» ، كنت نافيا لفاعليتك للضرب. (فإن قلت) : الصورتان (٢) دلتا على نفي الضرب ، فما الفرق بينهما؟ (قلت) : من وجهين : (أحدهما) : أن الأولى نفت ضربا خاصا ، وهو ضربك إياه ، ولم تدلّ على وقوع ضرب غيرك ولا عدمه ، إذا نفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعم ولا ثبوته. والثانية نفت كونك ضربته ، ودلّت على أن غيرك ضربه ، بالمفهوم. (الثاني) : أن الأولى دلت على نفي ضربك له بغير واسطة ، والثانية دلت على نفيه بواسطة. وأما قوله [١٣٦ / ب](ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ) (المائدة : ١١٧).
(الرابعة) : إذا كان الكلام عاما ونفيته ، فإن تقدّم حرف النفي أداة العموم ، كان نفيا للعموم ، وهو لا ينافي الإثبات الخاص ، فإذا قلت : «لم أفعل كلّ ذا ؛ بل بعضه» استقام (٣) ، وإن تقدّم صيغة العموم على النّفي ، فقلت : «كلّ ذا لم أفعله» كان النفي عاما ، ويناقضه الإثبات الخاص. وحكى الإمام (٤) في «نهاية الإيجاز» عن الشيخ عبد القاهر أن نفي العموم يقتضي [خصوص] (٥) الإثبات ، فقوله : «لم أفعل كلّه» يقتضي أنه فعل بعضه. قال : وليس كذلك إلا عند من [يقول] (٥) بدليل الخطاب ، بل الحقّ أن نفي العموم كما لا يقتضي عموم النفي لا يقتضي خصوص الإثبات.
(الخامسة) : أدواته كثيرة ، قال الخويّي (٦) : وأصلها «لا» و «ما» (٧) لأن النفي إما
__________________
(١) ساقطة من المطبوعة.
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (الضرورتان).
(٣) في المخطوطة (استفهام).
(٤) الإمام هو محمد بن عمر الفخر الرازي صاحب التفسير وكتابه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» طبع بمطبعة الآداب في القاهرة عام ١٣١٧ ه / ١٨٩٩ م ، وعام ١٣٢٧ ه / ١٩٠٩ م ، وطبع بتحقيق زغلول سلام ومحمد هدارة بمنشأة المعارف في الاسكندرية عام ١٣٩٤ ه / ١٩٧٣ م وطبع بتحقيق إبراهيم السامرائي ، ومحمد بركات أبو علي في عمّان عام ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م.
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (الجويني) ، وهو أحمد بن خليل بن سعادة الخويّي الشافعي تقدمت ترجمته في ١ / ١٠٨.
(٨) في المخطوطة (ما ولا).