لموسى ، في قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (النساء : ١٦٤) فإنه لما (١) أريد [إثبات] (٢) كلام الله نفسه قال (تَكْلِيماً) دل (٣) على وقوع الفعل حقيقة ؛ أما تأكيد فاعله فلم يتعرض له. ولقد سخف (٤) عقل من تأوله على أنه كلّمه بأظفار المحن ؛ من الكلم وهو الجرح ؛ لأنّ الآية مسوقة (٥) في بيان الوحي.
ويحكى أنه استدل بعض علماء السّنة على بعض المعتزلة في إثبات التكليم حقيقة بالآية من جهة أن المجاز لا يؤكّد ، فسلم المعتزليّ [له] (٦) هذه القاعدة وأراد دفع الاستدلال من جهة أخرى ، فادّعى أن اللفظ إنما هو (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى) بنصب (٧) لفظ الجلالة ، وجعل موسى فاعلا ب «كلّم» وأنكر القراءة المشهورة وكابر ، فقال [له] (٨) السنيّ : فما ذا (٩) تصنع بقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف : ١٤٣) فانقطع المعتزليّ عند ذلك.
قال ابن الدهان (١٠) : ومما يدل على أن التأكيد لا يرفع المجاز قول الشاعر :
قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج |
|
ويوم اللّوى حتى قسرت الهوى قسرا (١١) |
[قلت] (١٢) : وكذا قوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) (النمل : ٥٠) وأما قوله تعالى : (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) (نوح : ٩) فمفعول (أَسْرَرْتُ) محذوف ، أي الدعاء والإنذار ونحوه. فإن قلت : التأكيد ينافي الحذف ، فالجواب من وجهين : (أحدهما) : أن المصدر لم يؤت به هنا للتأكيد وإن كان بصورته (١٣) ؛ لأن المعنى ليس على ذلك ، وإنما أتى به لأجل الفواصل ، ولهذا لم يؤت بمصدر (أَعْلَنْتُ) ، وهو مثله.
__________________
(١) في المخطوطة (لو).
(٢) ساقطة من المطبوعة.
(٣) في المطبوعة (ودلّ).
(٤) في المخطوطة (استخف).
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (مستوقة).
(٦) ساقطة من المخطوطة.
(٧) وهي قراءة إبراهيم ، ويحيى بن وثاب ؛ ذكرها الزمخشري في الكشاف ١ / ٣١٤.
(٨) ساقطة من المطبوعة.
(٩) في المخطوطة (فما).
(١٠) هو سعيد بن المبارك بن علي تقدم قريبا في ٢ / ٤٩٢.
(١١) في المخطوطة (قشرا). والبيت لابن الأعرابي ذكره ابن منظور في لسان العرب ١ / ٥٧٢ مادة (ظنب) قال : (قرع لذلك الأمر ظنبوبه : تهيأ له ... ، وذلّله ... ، يقول : ذللت الهوى بقرعي ظنبوبه كما تقرع ظنبوب البعير ليتنوّخ لك فتركبه).
(١٢) ساقطة من المخطوطة.
(١٣) في المخطوطة (هذا بصورته).