(والثاني) : أن «أسرّ» وإن كان متعدّيا في الأصل ، إلا أنه هنا قطع النظر عن مفعوله ، وجعل نسيا ، كما في قولهم : «فلان يعطي ويمنع» ، فصار لذلك كاللازم ، وحينئذ فلا منافاة بين المجيء به بالمصدر لو كان.
ثم التأكيد بالمصدر تارة يجيء من لفظ الفعل كما سبق ، وتارة يجيء من مرادفه ، كقوله (١) تعالى : (إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) (نوح : ٨) [فإن] (٢) الجهار أحد نوعي الدعاء ، وقوله : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) (النساء : ٤٦) فإنه منصوب بقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) (النساء : ٤٦) لأن (لَيًّا) نوع من التحريف. ويحتمل أن يكون منه : (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً) (النساء : ٢٠) لأن البهتان ظلم ، والأخذ على نوعين : ظلم وغيره.
وزعم الزمخشريّ [أن] (٣) قوله : (نافِلَةً لَكَ) (الإسراء : ٧٩) وضع موضع «تهجّدا» ؛ لأن التهجد عبادة (٤) زائدة ، فكأنّ التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد.
وقوله : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (النساء : ١٢٢) قيل : كأن الأصل تكرار الصدق بلفظه فاستثقل التكرار للتقارب ، فعدل إلى ما يجاريه خفة ولتجرى المصادر الثلاثة مجرى واحدا ، خفة ووزنا ، إحرازا للتناسب.
وأما قوله : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) (نوح : ١٧ و ١٨) ففائدة (إِخْراجاً) أن المعاد في الأرض هو الذي يخرجكم (٥) منها بعينه ، دفعا لتوهم من يتوهم أن المخرج منها أمثالهم ؛ وأن (٦) المبعوث الأرواح المجرّدة. (فإن قيل) : هذا يبطل بقوله تعالى : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (نوح : ١٧) فإنّه أكّد بالمصدر ، وليس المراد حقيقة النبات. (قلت) : لا جرم حيث لم يرد الحقيقة هنا لم يؤكده بالمصدر الحقيقي القياسيّ ؛ بل عدل به إلى غيره ؛ وذلك لأن مصدر أنبت «الإنبات» والنبات اسمه لا هو ، كما قيل في «الكلام» و «السلام» اسمان للمصدر الأصليّ الذي هو «التكليم» و «التسليم» ، وأما قوله :
__________________
(١) في المخطوطة (بقوله).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) ساقطة من المطبوعة. وانظر قول الزمخشري في الكشاف ٢ / ٣٧٢.
(٤) في المخطوطة (عبارة).
(٥) في المخطوطة (يخرج).
(٦) في المخطوطة (أو أن).