قلت : ولعل الخلاف في هذه المسألة يلفت عن الخلاف المشهور إنّ كلام الله شيء واحد أو لا ؛ عند الأشعري أنه لا يتنوع في ذاته ، إنما هو بحسب متعلّقاته.
فإن قيل : فقد قال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (آل عمران : ٧) ، فجعله شيئين ، وأنتم تقولون بعدمه ، وأنه صفة واحدة.
قلنا : من حيث إنّه كلام الله لا مزية لشيء منه على شيء. ثم قولنا : «شيء منه» يوهم التبعيض ، وليس لكلام الله الذي هو صفته بعض ، ولكن بالتأويل والتفسير وفهم السامعين اشتمل على جميع أنواع المخاطبات ، ولو لا تنزّله في هذه المواقع لما وصلنا الى فهم شيء منه.
وقال الحليميّ (١) : «قد ذكرنا أخبارا تدلّ على جواز المفاضلة بين السّور والآيات. وقال الله تعالى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦) ومعنى ذلك يرجع إلى أشياء :
* أحدها [أن تكون] (٢) آيتا عمل ثابتتان في التلاوة ؛ إلا أنّ إحداهما منسوخة والأخرى ناسخة ، فنقول : إن الناسخ خير ، أي أن العمل بها أولى بالناس وأعود عليهم ، وعلى هذا فيقال : آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص ؛ لأن القصص إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والتبشير ، ولا غنى بالناس عن هذه الأمور ، وقد يستغنون عن القصص ، فكل ما هو أعود عليهم وأنفع لهم ممّا يجري مجرى الأصول خير لهم مما يحصل تبعا لما لا بدّ منه.
* والثاني أن يقال : إنّ الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدّلالة على عظمته وقدسيّته أفضل أو خير ، بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجلّ قدرا.
* والثالث أن يقال : سورة خير من سورة ، أو آية خير من آية ، بمعنى أن القارئ يتعجّل [له] (٣) بقراءتها (٤) [فائدة سوى الثواب الآجل ، ويتأدّى منه بتلاوتها عبادة ، كقراءة آية الكرسيّ ، وسورة الإخلاص ، والمعوذتين ؛ فإنّ قارئها يتعجّل بقراءتها] (٤) الاحتراز مما يخشى ، والاعتصام
__________________
(١) هو أبو عبد الله حسين بن الحسن تقدم التعريف به في ١ / ٣٢٢ وانظر قوله في كتابه «المنهاج في شعب الإيمان» ٢ / ٤٤٤.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المطبوعة والصواب إثباتها كما جاء في كتاب الحليمي.
(٤) ليست في المخطوطة.