وربما توهم وقوع الخلاف في الحكم المذكور من بعض عبارات الأصحاب مثل عبارة المحقق في كتاب الحدود من الشرائع حيث قال : «واما التمري إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار ففي تحريمه تردد والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ الشدة المسكرة» انتهى ومثله عبارة الشهيد في الدروس حيث قال بعد الكلام في عصير الزبيب وحكمه بتحليل المعتصر منه : «واما عصير التمر فقد أحله بعض الأصحاب ما لم يسكر ، وفي رواية عمار. إلخ» (١).
وأنت خبير بأن العبارة الاولى لا دلالة فيها بوجه على وجود القول بالتحريم لان التردد في الحكم لا يستلزم وجود الخلاف فيه بل قد يكون منشأه تعارض الأدلة فيه أو ضعف المستند دلالة أو سندا أو تعارض احتمالين في ذلك كما هو دأب العلماء في كثير من عبائرهم ومن ثم قال الشهيد الثاني في المسالك في شرح هذه العبارة : وجه التردد في عصير التمر أو هو نفسه إذا غلى ، من دعوى صدق اسم النبيذ عليه حينئذ ومشابهته لعصير العنب ، ومن أصالة الإباحة ومنع صدق اسم النبيذ المحرم عليه حقيقة ومنع مساواته لعصير العنب في الحكم لخروج ذلك بنص خاص فيبقى غيره على أصل الإباحة وهذا هو الأصح. انتهى. ويؤيد ما قلناه ايضا ما صرح به الفاضل الشيخ احمد بن فهد (قدسسره) في المهذب حيث قال : كل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق أو من استصحاب يسمى بالأشبه لأن ما كان مستند الترجيح التمسك بالظاهر والأخذ بما يطابق ظاهر المنقول يكون أشبه بأصولنا ، فكل موضع يقول فيه : «الأشبه» يريد هذا المعنى ، والأصح ما لا احتمال فيه عنده ، والتردد ما احتمل الأمرين ، ثم قال بعد ذلك : وربما كان النظر والتردد في المسألة من المصنف خاصة لدليل انقدح في
__________________
(١) المروية في الوسائل في الباب ٣٧ من الأشربة المحرمة ، واللفظ هكذا : «سألته ـ يعني أبا عبد الله «ع» ـ عن النضوح؟ قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يمتشطن». وسيأتي التعرض لها ص ١٤٩.