رواية عمار على ان الغرض من طبخه حتى يذهب ثلثا ماء التمر انما هو لئلا يصير خمرا ببقائه مدة لان غلية الذي يصير به دبسا يذهب الأجزاء المائية التي يصير بها خمرا لو مكث مدة كذلك ، لأنه إنما بصير خمرا بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية فإذا ذهبت أمن من صيرورته خمرا ، ويؤيد هذا قوله : «النضوح المعتق» على صيغة اسم المفعول أي الذي يراد جعله عتيقا بان يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا ، ويؤيده قوله ايضا «ثم يمتشطن» من ان الغرض منه التمشط والوضع في الرأس ، فالمراد من السؤال في الروايتين عن كيفية عمله هو التحرز عن صيرورته خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه إذا تمشطن به وإلا فهو ليس بمأكول ولا الغرض من السؤال عن كيفية عمله هو حل اكله حتى يكون الأمر بغلية على مثل هذه الكيفية لحل اكله ، فلو فرضنا انه طبخ على النصف مثلا وتمشطن به في الحال فإنه وان فرضنا تحريم اكله كما يدعيه الخصم إلا انه لا قائل بنجاسته إجماعا ولا دليل عليها اتفاقا ، ولكن لما كان الغرض هو حفظه وتبقيته زمانا كما عرفت فلو لم يعمل بهذه الكيفية لصار خمرا نجسا فأمر (عليهالسلام) بطبخه على هذه الكيفية لهذه العلة ، وكيف كان فدلالة الخبرين المذكورين انما هو بطريق المفهوم وهو مع تسليمه انما يكون حجة إذا لم يظهر للتعليق فائدة سوى ذلك وإلا فلا حجة فيه ، وبما شرحنا من معنى الخبرين المذكورين وهو ان الغرض ان لا يكون خمرا مسكرا تظهر فائدة التعليق المذكور فلا يكون حجة فيما يدعيه الخصم ، وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه ولا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه.
بقي هنا شيئان ينبغي التنبيه عليهما (الأول) ـ ان إطلاق الاخبار وكلام الأصحاب دال على تحريم العصير بالغليان وتوقف حله على ذهاب الثلثين أعم من ان يطبخ وحده أو مع شيء آخر غيره ، وقد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال عن ابي الحسن علي بن محمد (عليهماالسلام) (١) «ان محمد بن علي بن عيسى كتب اليه عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم وربما يجعل فيه العصير من العنب وانما هو لحم يطبخ به وقد روي عنهم في العصير
__________________
(١) رواه في الوسائل في الباب ٤ من الأشربة المحرمة.