الثانى : أنه لو كان الفعل على الإرادة طاعة للمريد ؛ لكان من أراد فعل أمر ففعله ، يكون مطيعا لنفسه بنفسه ، وهو ممتنع. ولهذا فإنه لما كان امتثال الأمر طاعة ؛ امتنع أمر المرء لنفسه.
الثالث : أنه لو كان موافقة الإرادة طاعة ؛ لكان موافقة المريد فى إرادته طاعة له.
ولهذا : فإن من أراد إظهار الخضوع لغيره لا يفرق بين قوله : إنى فاعل لما تريد ، وبين قوله : إنى مريد لما تريد ، ولو كان كذلك ؛ لكانت إرادة الواحد / منا لموت الأنبياء ، وإنظار ابليس طاعة لله ـ تعالى ـ لموافقة إرادة الرب ـ تعالى ـ ذلك ؛ وهو محال.
وبه يبطل ما ذكروه من قولهم : إن من أراد إظهار الطاعة لغيره قال : إنى أفعل ما تريد.
وأما الشعر : فبتقدير أن يكون ممن يحتج بقوله فى اللغة ؛ فلا حجة فيه ؛ إذ المذكور فيه التمنى ، والتمنى ليس بإرادة ؛ وإلا كان الرب ـ تعالى ـ متمنيا ؛ لكونه مريدا. وموافقة المتمنى ؛ ليست طاعة بالاتفاق.
وإن قيل : إنه تجوز بالتمنى عن الإرادة ؛ فليس أولى من القول : بأنه تجوز به عن الأمر.
ثم وإن سلمنا أن موافقة المريد فى إرادته طاعة : ولكن مطلقا ، أو بشرط أن يكون الآتى به قاصدا لموافقة الإرادة. الأول ، ممنوع على ما تقدم. والثانى ؛ مسلم ؛ ولكن الكافر لا يأتى بالكفر لقصد موافقته إرادة الرب ـ تعالى ـ فلا يكون مطيعا بذلك.
قولهم : لو كان مريدا للسفه والظلم ؛ لكان سفيها ظالما ، سبق جوابه فى خلق الافعال.
قولهم : إن إرادة القبيح قبيحة ؛ فهو مبنى على فاسد أصولهم فى التحسين ، والتقبيح الذاتى ؛ وقد أبطلناه (١).
قولهم : رعاية الصلاح فى فعله واجب ؛ باطل بما سبق فى التعديل والتجوير (٢).
__________________
(١) فى ب (سبق بطلانه). انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.
(٢) انظر ل ١٧٤ / ب وما بعدها.