الأول : ممنوع ؛ لأن المعرفة حاصلة له ؛ وتحصيل الحاصل محال.
والثانى : أيضا ممتنع ؛ لأن من لا يعرف الله ـ تعالى ـ لا يعلم أن المقصود من ذلك الانقياد إلى معرفته ؛ فلا يكون مفضيا إلى المعرفة.
فإن قالوا : بأن الله ـ تعالى ـ يقيض له ملكا يقول له : إنك إن آمنت نجوت من هذه المهالك ، وإن أصررت على كفرك هلكت.
فنقول : الإيمان بالملائكة فرع الإيمان بالله ـ تعالى ـ فمن لا يصدق بالله ـ تعالى ـ ؛ فلا (١) يكون مصدقا بالملائكة.
ثم وإن كان مصدقا بالملائكة : فما (٢) الّذي يؤمنه أن يكون المخاطب له عفريتا (٣) ، لا ملكا.
ثم وإن سلمنا إمكان معرفته بذلك : ولكن لا نسلم أن ظهور الآيات ، وأنواع المخوفات (٤) مما يوجب الاضطرار إلى الإيمان ، ويدل عليه قوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (٥). وقوله ـ تعالى ـ : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٦).
ثم وإن سلمنا لزوم الاضطرار إلى الإيمان من ظهور الآيات ، غير أن القول بالاضطرار منهم لا يصح ؛ فإن المقصود من التكليف بالإيمان ، والطاعة عندهم : إنما هو الفوز بالنعيم المقيم ، وإزاحة العذاب الأليم ، وذلك لا يحصل عندهم بالاضطرار ؛ بل إنما يحصل بالاختيار.
وعند ذلك : فالتكليف بالإيمان مع عدم حصول الغرض منه ، والحكمة المطلوبة يكون قبيحا ؛ والقبيح يستحيل صدوره من الله ـ تعالى ـ عندهم. وأما ما (٧) تمسكوا به (٧) من الآيات : فظواهر غير يقينية محتملة التأويل ، والتخصيص ، والمعارضة.
__________________
(١) فى ب (لا).
(٢) فى ب (فمن).
(٣) فى ب (شيطانا).
(٤) فى ب (المخلوقات).
(٥) سورة الانعام ٦ / ١١١.
(٦) سورة يونس ١٠ / ١٠١.
(٧) فى ب (ما ذكروه من).