كما فعل ابن زهير رضي الله عنه ؛ وأخت النضر بن الحارث ، مثل ما يفعل الشعراء مع الكبراء ، هذا لا حرج فيه ما لم يكن في الشعر ذكر ما لا يجوز ، ونظيره في سائر الأزمنة تقديم الشعر للخلفاء والملوك ومن أشبههم قطعا من أشعارهم بين يدي حاجاتهم ، كما يفعله أهل الوقت المجردون للسعاية على الناس ، مع القدرة على الاكتساب. وفي الحديث : «لا تصح الصدقة لغنيّ ، ولا لذي مرّة سويّ» (١) فإنهم ينشدون الأشعار التي فيها ذكر الله وذكر رسوله ، وكثيرا ما يكون ما لا يجوز شرعا ، ويتمندلون بذكر الله ورسوله في الأسواق والمواضع القذرة ، ويجعلون ذلك آلة لأخذ ما في أيدي الناس ، لكن بأصوات مطربة يخاف بسببها على النساء ومن لا عقل له من الرجال.
ومنها : أنهم ربما أنشدوا الشعر في الأسفار الجهادية تنشيطا لكلال النفوس ، وتنبيها للرواحل أن تنهض في أثقالها ، وهذا حسن ، لكن العرب لم يكن لها من تحسين النغمات ما يجري مجرى ما الناس عليه اليوم ، بل كانوا ينشدون الشعر مطلقا من غير أن يتعلموا هذه الترجيعات التي حدثت بعدهم ، بل كانوا يرققون الصوت ويمططونه على وجه لا يليق بأمية العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى ، فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطراب يلهي ، وإنما كان لهم شيء من النشاط كما كان الحبشة وعبد الله بن رواحة يحدوان بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق :
نحن الذون بايعوا محمدا |
|
على الجهاد ما حيينا أبدا |
فيجيبهم صلىاللهعليهوسلم بقوله : «اللهم لا خير إلا خير الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة» (٢).
ومنها : أن يتمثل الرجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة في نفسه ليعظ نفسه أو ينشطها أو يحركها لمقتضى معنى الشعر ، أو يذكرها ذكرا مطلقا ، كما حكى أبو الحسن القرافي
__________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب : الزكاة ، باب : من يعطى من الصدقة (الحديث : ٦٥٢). وأخرجه أبو داود في كتاب : الزكاة ، باب : من يعطى من الصدقة وحد الغنى (الحديث : ١٦٣٤).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : المغازي ، باب : غزوة الخندق ، وفي كتاب : الجهاد ، باب : التحريض على القتال (الحديث : ٧ / ٣٠٣). وأخرجه مسلم في كتاب : الجهاد ، باب : غزوة الأحزاب وهي غزوة الخندق (الحديث : ١٨٠٥). وأخرجه الترمذي في كتاب : المناقب ، باب : مناقب أبي موسى الأشعري (الحديث : ٣٨٥٦).